فوجد المقتضي للآخر لوجد ذلك الآخر ، ويرتفع ما وجد قبله في المحلّ ، ويرى تأثير المقتضي لذلك الآخر فيه حينئذ كتأثيره فيه حال خلوّ المحلّ عن جميع الأضداد ، وهذا كما في السواد مع البياض ، فإنّهما ضدّان بالضرورة ، مع أنّ الثاني لا يمنع من وجود الأوّل إذا كان موجودا قبله ، بل متى تحقّق المقتضي للسواد يؤثّر فيه حال اشتغال المحلّ بالبياض كتأثيره فيه حال خلوّه عنه ، ويرتفع البياض بمجرّد تحقّق المقتضي له ، وكما في كلّ لون قويّ مع الأضعف منه من الألوان ، ضرورة أنّ كلّ قويّ من لون مضادّ مع الضعيف (١) منه ، مع أنّ حال القويّ بالنسبة إلى الضعيف حال السواد بالنسبة إلى البياض ، وهذا بديهيّ غنيّ عن الاحتجاج عليه.
فيتّضح من ذلك أنّ التمانع ليس صفة لازمة للضدّين من حيث إنّهما ضدّان ، وإلاّ لما انفكّ عنهما ، فيظهر فساد دعوى مقدّمية ترك أحدهما للآخر لذلك.
ومن هنا ظهر أيضا اندفاع دعوى المقدّمية من جهة أنّ انتفاء الآخر شرط لقابلية المحلّ لوجود ضدّه فيه ، فإنّ التوقّف من هذه الجهة أيضا متّضح الفساد ممّا ذكرنا في الأمثلة المذكورة من الأضداد.
وتوضيحه : أنّ القويّ من الألوان ـ مع كونه مضادّا (٢) مع الضعيف منها ـ لا يتوقّف وجوده على ارتفاع الضعيف عن المحلّ قبله ، بل يوجد مع اشتغال المحلّ به ، ويرفعه بمجرّد وجوده (٣) ، فظهر أنّ وجود الضعيف لا يوجب خروج
__________________
(١ و ٢) كذا في الأصل ، والمناسب : مضادّ للضعيف منه ..
(٣) فيكون الحال في مثل تلك الأضداد نظير الحال في النقيضين ، فإنّه كما إذا وجد المقتضي لأحد النقيضين يترتّب عليه وجود مقتضاه وارتفاع النقيض الآخر ، فكذلك إذا وجد المقتضي للّون القويّ يترتّب عليه أمران : أحدهما هو ، والآخر ارتفاع اللون الضعيف ، فافهم وتدبّر. لمحرّره عفا الله عنه.