وبهذا يندفع الدور عن صورة اشتغال المحلّ بأحدهما أيضا فإنّ المتأخّر من الضدّين حينئذ وإن كان متوقّفا على عدم السابق بعد وجوده ، لكن وجود السابق لم يكن متوقّفا على عدم اللاحق الأزلي (١).
ثمّ إنّ وجه اختياره ـ قدّس سرّه ـ لهذا التفصيل : أنّه رأى أنّ مقدّميّة ترك أحد الضدّين لوجود الآخر إنّما جاءت من جهة التمانع بينهما ، وأنّ المانع من كلّ منهما إنّما هو وجود الآخر في الخارج ، ضرورة عدم التمانع بينهما من حيث التقرّر الماهيتي (٢) والوجود الذهني ، فيكون الشرط لكلّ منهما انتفاء وجود الآخر لا عدمه الأزلي.
لكن يتّجه عليه : أنّ مقتضى التمانع بينهما على تقديره أن لا يكون شيء منهما مقرونا بالآخر عند وجوده ، فالشرط الناشئ من جهته إنّما هو عدم اقتران كلّ منهما عند وجوده ، فلا خصوصية إذن للعدم بعد الوجود ، بل هو أحد الفردين المحصّلين لذلك الشرط كما لا يخفى ، وفرده الآخر هو استمرار عدم الآخر الأزلي إلى زمان الوجود ، فيعود المحذور لو لا دعوى امتناع الصورة المفروضة للدور ، فالتحقيق في دفعه إنّما هي تلك الدعوى ، فإنّها هي التي يتّجه القول بها.
هذا ، والتحقيق في ردّ دليل المشهور : أنّا نرى بالعيان والوجدان أنّ بعض الأضداد مع بعض ليسا من قبيل المتمانعين بحيث يكون كلّ واحد منهما علّة لفناء الآخر ومانعا من وجوده ، كما هو مبنى مقدّميّة ترك أحدهما لوجود الآخر ، بل من قبيل المانع والممنوع ، بحيث لو فرض اشتغال المحلّ بأحدهما
__________________
(١) ثمّ إنّه قال دام ظلّه : لو سلّمنا توقّف كلّ من الضدّين على عدم الآخر من غير تقيّده بكونه مسبوقا بوجوده ، يمكن دفع الدور المذكور : بأنّ كلا منهما يتوقّف على عدم الآخر حين وجوده ، وأمّا عدم الآخر حين وجود ذلك فلا يتوقّف على وجود ذلك في ذلك الحين.
(٢) كذا في الأصل ، والصحيح : الماهويّ.