فإن قلت : إنّه لا ريب أنّ كلّ واحد من المعصومين من النبيّ صلّى الله عليه وآله ومن بعده من الأوصياء عليهم السلام كان مبيّنا للأحكام ، ومنها المندوبات ، وإثباتها إنّما هو بصيغة الأمر ، فثبت بذلك تحقّق شيوع استعمالها في الندب بالنسبة إلى مجموع استعمالات عدّة منهم كالنبيّ صلّى الله عليه وآله وعليّ ، والحسن ، والحسين عليهم السلام إن سلّم عدم ثبوته بمجموع استعمالات واحد منهم.
قلنا : أوّلا ـ إنّ كون كلّ واحد منهم عليهم السلام مبيّنا لجميع الأحكام ممنوع ، بل بعضهم لم يبيّنها للناس أصلا لخوف التقيّة (١) بحيث لم يقدر على إظهار إمامته كالسجّاد عليه السلام ، والآخرون لم يبين كلّ واحد جميعها ، بل بعضها.
وثانيا ـ لو سلّمنا كون كلّ واحد مبيّنا للأحكام التي منها المندوبات نمنع بيان المندوبات بأسرها بصيغة الأمر ، بل بعضها بها ، وبعضها بلفظ ( ينبغي ، ويستحبّ ، ويندب إليه ) وأمثالها ، كما يظهر للمتتبّع في الأخبار ، فراجع وتدبّر.
وكيف كان ، فلا ينبغي الارتياب في عدم تحقّق الشيوع الموجب للإجمال بكلا قسميه.
وممّا يكشف عن ذلك أنّه لم يتوقّف أحد من الصحابة ـ على ما يظهر من حالهم ، وكذا العلماء خلفا عن سلف ـ في التمسّك على وجوب شيء بأمر مطلق مجرّد عن القرينة ورد على ذلك الشيء.
ويشهد لذلك (٢) دعوى السيّد المرتضى (٣) ـ قدّس سرّه ـ اتفاق الإمامية
__________________
(١) أي الخوف الموجب للتقيّة أو لخوف فوات التقيّة.
(٢) في الأصل : ويشهد بذلك ...
(٣) الذريعة : ١ ـ ٥٥ ، والنصّ منقول بتصرّف يسير.