الوجه الثاني.
وكيف كان ، فعلى هذا لا يختصّ النزاع بصيغة النهي ، بل يجري في كلّ طلب متعلق بترك الطبيعة ، سواء كان بصيغة النهي أو بصيغة الأمر كـ ( اترك الزنا ) ، أو بمادّة النهي كقوله : ( نهيتك ، أو أنهاك عن الزنا ، أو أنت منهيّ عنه ) ، أو بغير مادّته كمادّتي الإرادة والطلب المتعلّقتين بترك الطبيعة كـ ( أريد ، أو أطلب منك ترك الزنا ) أو بمادّة الأمر كـ ( آمرك بترك الزنا ، وأنت مأمور بتركه ) ، وهكذا.
ويمكن أن يكون النزاع في النهي بصيغة النهي ، لكن يكون النزاع في اقتضاء هذا النهي للدوام وعدمه في الأعمّ من اقتضاء الصيغة ، فيصحّ للقائل بالدوام الاستناد إلى كلّ واحدة من جهتي المادّة والهيئة ، وعلى المانع إبطال الدلالة من كلتا الجهتين.
الظاهر من بعض المتأخّرين ، كالمحقّق القمّي (١) ـ قدّس سرّه ـ ذلك ، حيث إنّه أجاب عن القائل بالدوام بإبطال الدلالة من كلتا الجهتين ، ولم يقتصر على إحداهما.
وكيف كان ، فتحرير محلّ النزاع بينهم ليس بمهمّ لنا ، وإنّما المهمّ تحقيق الحال واختيار ما ينبغي أن يقال علي كلّ من الجهتين ، فنقول :
الحقّ عدم دلالة صيغة النهي إلاّ على مجرّد طلب ترك الطبيعة ـ كما في صيغة الأمر ـ من دون التعرّض لها لبيان الدوام أو المرّة ، وهذا لا ينبغي أن يشكّ فيه من له أدنى تأمّل ، فإذن انحصر المقال في تحقيق الحال في المادّة المعروضة لها ، فنقول :
ينبغي أن نفرض الكلام فيها أوّلا بالنسبة إلى أفراد الطبيعة الغير
__________________
(١) القوانين : ١ ـ ١٣٨ عند قوله : ( احتجّوا بأنّ النهي .. ). إلى قوله : ( فلا يمكن إثبات الدوام والتكرار للنهي لا من جهة المادّة ولا من جهة طلب الترك ).