إلى هؤلاء كان بمنزلة الذين قال الله عز وجل : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا
______________________________________________________
قوله تعالى : « أَلَمْ تَرَ » (١) روي أنه كان في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين يهودي ومنافق خصومة ، فأراد اليهودي أن يرافعه إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والمنافق إلى كعب بن الأشرف وهو من اليهود ، فنزلت الآية.
قال المحقق الأردبيلي (ره) : أي ألم تعلم أو ألم تعجب من صنع هؤلاء الذين يزعمون أنهم مؤمنون بما أنزل إليك من القرآن وبما أنزل من قبلك من الكتب مثل التوراة والإنجيل ومع ذلك يريدون التحاكم إلى الطاغوت وقد أمرناهم أن يكفروا بها ، في قوله تعالى : « فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ » (٢) وفي مجمع البيان (٣) روى أصحابنا عن السيدين الباقر والصادق عليهماالسلام « أن المعنى بالطاغوت كل من يتحاكم إليه ممن يحكم بغير الحق » فالآية دالة على تحريم التحاكم بل كفره ، وكأنه يريد مع اعتقاد الحقية والعلم بتحريمه إلى حكام الجور الذين لا يجوز لهم الحكم ، سواء كان جاهلا أو عالما وفاسقا أو مؤمنا أم لا ، وتدل عليه الأخبار أيضا ولا يبعد كون أخذ الحق أو غيره بمعونة الظالم القادر مثل التحاكم إلى الطاغوت ، ولا يكون مخصوصا بإثبات الحكم لوجود المعنى ، وإن كانت الآية مخصوصة به ، وله مزيد قبح ، فإنه يرى أنه يأخذ بأمر نائب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنه حق والظاهر أن تلك المبالغة مخصوصة به ، وقد استثنى أكثر الأصحاب من ذلك صورة التعذر بأن يكون الحق ثابتا بينه وبين الله ، ولا يمكن أخذه إلا بالتحاكم إلى الطاغوت ، وكأنه للشهرة ، ودليل العقل والرواية ، ولكن الاحتياط في عدم ذلك ، للخلاف وعدم حجية الشهرة ، وعدم استقلال العقل وظهور الرواية ، واحتمال اختصاص ذلك بعدم الحاكم
__________________
(١) سورة النساء الآية ـ ٦٠.
(٢) سورة البقرة الآية ـ ٢٥٦.
(٣) المجمع ج ٣ ص ٦٦.