ولمّا كان ابن هند في كبرياء حكمه وغليان حقده لم يشفه من بني هاشم إلاّ أن يغيضهم بكلّ الوسائل المتاحة له ، ومنها اقتحام نواديهم ومواطن عزّهم فيسمعهم سبّ الإمام عليهالسلام فيها ، فكان مجئ قريش الشام إلى الحجاز والجلوس في صُفة زمزم ، وإعلان السبّ حتى يسمعه ابن عباس فيغيضه ذلك ، أوّل بادرة من نوعها في الحرب النفسية التي خطط لها معاوية. وإلاّ فسبّ الإمام عليهالسلام على منابر المسلمين كان معلناً منذ تم لمعاوية استحواذه على الحكم من بعد مهادنة الصلح ، وقد قام بذلك ولاته معلنين به في كلّ صقع ، وقد أسمعوا الحسن والحسين عليهماالسلام وابن عباس وسائر بني هاشم ، فلم يستطيعوا غير الإستنكار وإظهار الكراهية ، وقد مرّت بنا قراءة أقوال الإمام الحسن عليهالسلام مع معاوية ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة ، ومعاوية ابن حديج ، في الردّ عليهم لسبّهم الإمام عليهالسلام. وروى الزمخشري في ( الكشاف ) قول الإمام الحسن عليهالسلام للوليد : ( كيف تشتم عليّاً وقد سمّاه الله مؤمناً في عشر آيات وسمّاك فاسقاً ) (١). فجميع ما مرّ لم يحسم الداء ، وبقي إعلان السبّ سنّة أموية متبعة.
والآن فما بال ابن عباس رضياللهعنه هذه المرّة ينتفض ويصول صولة الأسد الغاضب الذي يصرّ بأسنانه حرداً ، ويصرخ بأنّ من سبّ الإمام عليهالسلام فقد سبّ الله وسبّ رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومن سبّهم أكبّه الله على منخريه في جهنم؟
فكان وقع ذلك الموقف على قريش الشام الذين احتلّوا عرين ابن
____________
١ ـ الكشاف ٢ / ٥٢٦ للزمخشري.