ما أظن القارئ في غفلة عن إدراك النتيجة التي توخاها ابن عباس رضياللهعنه في محاورته مع أولئك النواصب من قريش الشام ، فهو قد استعمل الطريقة الفنية في علم الجدل ، التي تلزم الخصم بالنتيجة المتوخاة للطرف المخاصم بكلّ حذق ومهارة.
وتلك الطريقة فيما يذكرها المناطقة لا تتم إلاّ بين طرفين ، وتتم بأمرين سؤال وجواب ، يوجّه السائل بطريق الإستفهام ما يُلزم به خصمه من دون أن يشعر بأنّه يريد مهاجمته وبالتالي غلبته وهزيمته ، حتى لا يراوغ ويحتال في الجواب ، ثم يتدرج السائل بالسؤال من البعيد عن الغرض المقصود له إلى القريب منه ، حتى يصل إلى النتيجة ، وهي إلزام الخصم بها من حيث لا يشعر ، وعندها يتبين الإنكسار عليه ، وينتصر السائل المحاور بتلك الطريقة.
وابن عباس رضياللهعنه وهو الحبر والبحر قد استعمل الطريقة الجدلية بحنكة ورويّة ، وهو الخبير القدير ، المتمرس المتحمس ، حتى حصر خصومه في زاوية لا مناص لهم فيها ولا خلاص .. فسألهم عن سبّهم الله تعالى ، فأنكروا وشهدوا على أنّ من سبّ الله فهو كافر ، فسألهم ثانياً : من منّكم سبّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فأنكروا ذلك وقالوا : من سبّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فهو مشرك ، فسألهم ثالثاً : أيّكم السابّ لعليّ عليهالسلام؟ ، وهذا السؤال هو المقصود أوّلاً وبالذات ، وما تقدم كان بالعرض للوصول إلى تحقيق الغرض ، وإفحام من في قلبه مرض ، وقد تمّ له ما يريد عندما روى الحديث النبوي الشريف : ( من سبّ عليّاً فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله أكبه الله على منخره في جهنم ).
ولمّا سمعوا ذلك منه ، أسقط ما في أيديهم ، وتيقنوا هزيمتهم أمام حجة