بالرحمة وأيضا فان الشرك أعظم الذنوب وأشدها وكيف يدعى لأهله بالمغفرة ولم يصح ان الله أباح الاستغفار للمشركين ولا فرضه ولا أبيح أو فرض فأما قول الله تعالى ( وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ) (١) فقد قيل ان أباه وعده انه يظهر اسلامه فاستغفر له فلما لم يظهر اسلامه ترك الاستغفار له فان قيل فما معنى ( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) فهل يكون هذا في العربية الا بعد استغفار لهم .. فقد أجاب عن هذا بعض أهل النظر فقال يجوز أن يكون بعض المسلمين ظنّ ان هذا جائز فاستغفر لأبويه وهما مشركان فنزل هذا .. [ قال أبو جعفر ] هذا لا يحتاج أن يقول يجوز لأن فيه حديثا قد غاب عن هذا المجيب حدثنا .. أحمد بن محمد الازدي قال حدثنا يزيد بن سنان قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان الثوري عن أبي اسحاق عن أبي الخليل عن علي بن أبي طالب قال سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت له أتستغفر لأبويك وهما مشركان فقال أليس قد استغفر إبراهيم لأبيه فذكرت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت ( وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ) وهذا من أحسن ما روي في الآية مع استقامة طريقه وصحة اسناده على ان الزهري قد روى عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أبي طالب عند موته وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال يا عم قل لا إله الا الله كلمة أشهد لك بها يوم القيامة فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب فأقبل النبي صلىاللهعليهوسلم يعرض عليه وهما يعارضانه فكان آخر كلمة قالها على ملة عبد المطلب وأبي أن يقول لا إله الا الله قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك فأنزل الله ( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى ) وأنزل الله في أبي طالب ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) (٢) .. وحديث مسروق عن عبد الله على غير هذا في نزول الآية قال كنا مع النبي صلىاللهعليهوسلم فجلس على قبر بين القبور فبكى حتى ارتفع نحيبه ففزعنا لذلك فلما قام قال له عمر رضياللهعنه مم بكيت يا رسول الله قال على قبر آمنة ابنة وهب يعني أمه استأذنت ربي في الاستغفار لها فأنزل الله عز وجل ( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) الآية فدخلني ما يدخل الولد لوالديه فبكيت .. [ قال أبو جعفر ] وليست هذه
__________________
(١) سورة : التوبة ، الآية : ١١٤
(٢) سورة : القصص ، الآية : ٥٦