والثالث : بمنع الملازمة ، إمّا بدعوى كون اللفظ في مصطلحهم لما يعمّ الهيئة المنفردة والمادّة المجرّدة ، وإن كان كلّ في وجوده الخارجي يتوقّف على تقوّمه بالآخر.
وإنّما يستكشف ذلك عن ملاحظة تصريحهم بثبوت الوضعين باعتباري الهيئة والمادّة ، مع تعريفهم الوضع بتعيين اللفظ للدلالة على المعنى ، وعدم تعرّض أحد لنقضه عكسا بوضعي المشتقّات مع تعرّضهم لنقضه بوضع المشتركات والحروف وغيرها ممّا تقدّم بيانه في محلّه.
أو بدعوى : كون اللفظ في تعريف الحقيقة يراد به المعنى الأعمّ ولو مجازا ، ليشمل نحو المشتقّات ، كما يكشف عنه إثباتهم الوضعين لها.
أو بدعوى : إنّ ثبوت الوضع لكلّ من الجزئين يوجب صدق كون المجموع موضوعا ، فيصدق بقصد الإفادة من كلّ جزء كون المجموع مستعملا ، ويكفي ذلك في توارد الوصفين على اللفظ.
المسألة الثانية : في أنّ الوضع المبحوث عنه هاهنا هل هو متعلّق بنفس النوع المتصوّر المعبّر عنه بالكلّي المنطقي ، أو بجزئيّاته المندرجة تحته الملحوظة إجمالا بملاحظة النوع ، وفيه خلاف آخر.
قيل : بإمكان الجميع ، حيث لا دليل على تعيين أحدهما بحسب الوقوع ، ولعلّه المعروف.
وقيل : بتعين الثاني ، كما جزم به بعض الأفاضل ، وقبله بعض أجلّة السادة (١) وعلّله في شرحه للوافية : بأنّ الظاهر من كلامهم إنّ المستعمل في الوضع النوعي ليس إلاّ أفراد النوع وجزئيّاته المشخّصة ، فلو كان الموضوع هو النوع لكان المستعمل أفراد الموضوع وجزئيّاته دون الموضوع نفسه. وهذا الاستعمال ليس بحقيقة ولا مجازا.
__________________
(١) وهو السيّد مهدي بحر العلوم رحمهالله.