واذا اردنا ان نرسم صورة واضحة عن حقيقة الدعاء موضع البحث وموضوع الكلام فنقول :
إنه رجوع العبد المؤمن الفقير الى مولاه الغني بالغنى المطلق الذي لا يحتاج الى شيء ويحتاج اليه كل شيء ـ وذلك بالتوسل الخاشع والتوكل الواعي من اجل ان يعينه على تحصيل مطلب يعجز بذاته عن الوصول اليه والحصول عليه ـ كالجاهل الذي يرجع الى الله العالم بكل شيء ليفيض عليه نوراً من علمه الواسع والفقير الراجع الى الغني المطلق ليمن عليه بنفحة من عطائه وقبسة من ضيائه والمريض الراجع الى الطبيب الحقيقي ليحقق له الشفاء ويخلصه من الداء والمجاهد المناضل في سبيل نصرة الحق الذي يرجع الى القادر الناصر لاوليائه على اعدائه في معركة التضحية والفداء وهكذا.
وهذا ما اشار اليه الإمام علي عليهالسلام بقوله : الدعاء مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح وخير الدعاء ما صدر عن صدر نقي وقلب تقي وفي المناجاة سبب النجاة وبالاخلاص يكون الخلاص فإذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع ).
وبالتأمل في مضمون كلام الإمام عليهالسلام ندرك ان الدعاء انما يكون مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح اذا صدر عن صدر نقي من الصفات الذميمة المبعدة عن الله سبحانه كالحسد والنفاق والبغض لاولياء الله والحب لاعدائه سبحانه والحرص على متع الحياة الزائلة حتى ولو حصلت من الحرام او المشتبه به وكذلك لا يكون الدعاء مفتاحا لباب الفرج والاجابة الا اذا صدر من قلب مؤمن تقي فاعل لما اوجب الله عليه وتارك لما حرم عليه لان ذلك شرط اساسي لتحقق الخضوع الحقيقي والرجوع الواقعي الى الله سبحانه الموصل الى ساحة رحمته ـ باعتبار ان الصفات الذميمة والانحراف عن منهج التقوى يجعل حاجبا يمنع القلب من الخضوع والخشوع وصاحبه من الوصول الى العناية الإلهية كما هو واضح ولهذا ورد في دعاء كميل :
« اللهم أغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء ».