( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (٢٤) ) (١).
يعتبر عبادة باطنية توصل المكلف الى اساس وروح العبادة الظاهرية التي يتمثل فيها القسم الثاني من العبادة بمفهومها العام.
وبما ذكرناه من المعنى العام للعبادة ندرك سعة دائرتها وامتداد ساحتها لتشمل باطن الإنسان المكلف مضافا الى ظاهره ولتشمل كل عمل اختياري يمارسه وفق ارادة الله سبحانه ولا تنحصر في اطار العبادات الخاصة المعهودة التي ذكرها الفقهاء في مقابل المعاملات وفرقوا بينهما بأن الاولى لا تصح ولا يترتب عليها اثرها الا اذا اتى بها المكلف بقصد التقرب لله سبحانه بخلاف المعاملات المقابلة لها حيث تصح ولو صدرت منه بدون قصد التقرب له سبحانه.
وذلك لان الهدف الاساسي من تشريع العبادات وتقييدها بهذا القيد هو تعميق الصلة الايمانية بالله تعالى لتصبح جزء من فكر ونفس المؤمن العابد فتصحبه وتنطلق معه في سائر التصرفات التي يمارسها على الصعيد العملي بارادته فتصدر منه منسجمة مع الارادة الإلهية التشريعية ويكون بذلك متحركا في نطاق العبودية الكاملة الشاملة التي اراد الله سبحانه ان يصل العبد اليها ويحصل عليها من خلال التزامه بتأدية العبادات الخاصة والاتيان بها بقصد التقرب اليه والتعبد له وحده لا شريك له.
وبهذا البيان يتضح ان تشريع العبادات الخاصة والزام المكلف بإتيانها على الوجه القربي لم يكن الا من اجل ان تكون اعمالا تمرينية ورياضات روحية يمارسها المكلف ليجني فوائدها المعنوية والمادية المترتبة عليها مباشرة وليصل بها الى ملكة العبودية الثابتة التي تضبط تصرفاته وتحصرها في اطار الاطاعة والانقياد لارادة الله سبحانه فلا يفعل الا ما يريد الله منه فعله ولا
__________________
(١) سورة محمد ، آية : ٢٤.