وبما ان الإنسان العادي يعيش اسير عاداته وعبد اهوائه ورغباته فينطلق معها الى حيث تريد ولا يتحرر منها ويقف في وجه تيارها الجارف الا اذا حصل له ضغط خارجي ودعم معنوي يساعده على التحرر والتحلل من قيودها وتأتي فريضة الصوم لتكون الوسيلة الوحيدة التي تطلق سراحه من سجن الرغبات وقيد الاهواء وذلك ببركة الايمان الذي يلزم صاحبه بإمتثال امر السماء من اجل التوصل الى الجزاء الاوفى والنفع الاعظم معجلا مضافا الى جنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين الصائمين.
ويؤكد ذلك عامل الخوف الذي يضع المؤمن امام مصير مؤلم ويحذره من عاقبة مدمرة معجلا ومحرقة بنار الغضب الإلهي يوم الحشر والمعاد.
فرجاء الثواب العظيم وخوف العقاب الأليم الناتجان عن الايمان بالله واليوم الاخر ـ يساهمان معا في تحرير الإنسان من عبوديته لرغباته ويدفعانه لامتثال امر الله سبحانه بتأدية فريضة الصوم ليحس بالوجدان الفائدة الايجابية التي يجنيها في المجال الذهني بما يحصل عليه من صفاء الذهن وانطلاق الفكر وتحليقه في سماء الوعي وسرعة الاستفادة بعد ان كان يعيش جمود الفكر وبلادة الذهن.
ويطلب منه اذا كان عاقلا راشدا ـ ان يستمر على حالة التوسط والاعتدال في طعامه وشرابه عملا بقوله تعالى :
( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) (١).
ليكون بذلك معطيا لكل واحد من جسمه وروحه حقه من الرعاية والاهتمام حيث يعطي جسمه ما يحتاج اليه منهما ولا يتناول الزائد عن حاجته ليمهد السبيل امام روحه ونفسه لتنال غذاءها المناسب لها من العلم النافع والمعرفة الصحيحة ـ وقد التفت اولئك الاشخاص الذين حاولوا ان يأتوا
__________________
(١) سورة الاعراف ، آية : ٣١.