وثالثا : أن الأخبار أيضا قد دلّت على وصفها بالطهر بعد انقطاع الدم وقبل الغسل (١) ، ومن الظاهر أن المراد : الطهر من الحيض ، فهو مقابل له ، فلا يجتمع معه فيقال : حائض طاهر. ويأتي على ما ذكره اتّصافها (٢) بهما.
ولو قيل : إنه لا يدفع كون الحيض بمعنى الدم (٣) لغة وشرعا ، والطهر هو النقاء منه ، وإنما يدّعى أن لفظ الحائض في الأخبار معناه ذات حدث الحيض مجازا مشهور وحقيقة عرفية أو نحوهما من المعاني التي ذكرها.
قلنا : المفهوم من الأخبار أيضا أن الطهر صفة تقابل الحيض ، كما في قولهم : (إذا كانت المرأة حائضا فطهرت) ، ونحو ذلك ، فإنه يدلّ على أن الطهر حالة تقابل حالة الحيض ولا تجتمع معها ؛ إذ لا معنى لقوله في هذه العبارة : (فطهرت) ، إلّا (انتقلت) إلى حالة أخرى لا يصح وصفها فيها بكونها حائضا ، وما هو الّا باعتبار كون الحائض ذات الدم لا ذات حدث الحيض.
وبالجملة : فالأظهر عندي أن بناء الأحكام الشرعيّة على مثل هذه القواعد الغير المنضبطة والأصول الغير المرتبطة مما لم يقم عليه دليل شرعي.
وقد عرفت (٤) تعدّد أقوالهم ، واختلاف آرائهم في أصل القاعدة ـ لاختلاف أفرادها (٥) وجزئياتها التي يراد اندراجها تحتها ـ إلى ما يبلغ ثمانية أقوال ، ولو كان لذلك أصل في الشريعة مع كثرة ما يتفرع عليه من الأحكام ، لظهر له دليل عنهم (٦) عليهمالسلام. فالمرجع حينئذ إلى أخبارهم ـ صلوات الله عليهم ـ في كل جزئي
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢ : ٣١٢ ـ ٣١٣ ، أبواب الحيض ، ب ٢١ ، ح ٣.
(٢) في «ح» : اتصاف.
(٣) بمعنى الدم ، ليس في «ح».
(٤) في النسختين بعدها : من.
(٥) في «ح» : أفراد بها.
(٦) في «ح» : منهم.