للحكم الشرعي مدرك شرعيّ لعدم الحكم. وبعبارة اخرى : عدم (١) الدليل دليل على العدم) (٢) ـ فيرد عليه أن هذا إنما يتمشّى على قواعد العامّة (٣) الذين هم الأصل في العمل على البراءة الأصليّة ، لاتّفاقهم على أن جميع ما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله ، أظهره للصحابة ، ولم يكتم شيئا منه (٤) عن الأبيض ولا الأسود ، ولا خص أحدا بشيء من علومه دون أحد ، ولم تقع بعده فتنة أوجبت إخفاء شيء من علومه صلىاللهعليهوآله. فعدم اطّلاع المجتهد بعد الفحص والتفتيش والتتبّع للأدلّة على دليل مخرج عن البراءة الأصليّة ، أو على نسخ أو تقييد أو تخصيص أو تأويل لآية أو سنّة موجب للظنّ بعدم ذلك واقعا.
وأما عندنا معاشر الإمامية فحيث استفاض في أخبارنا ، بل صار من ضروريات ديننا أنه صلىاللهعليهوآله ، أودع علومه عند أهل بيته (٥) ، وخصّهم (٦) بها دون غيرهم ، واستفاض أيضا أنه لم يبق من الأحكام جزئيّ ولا كلي ، إلّا وقد ورد فيه خطاب شرعيّ وتكليف إلهيّ ، وأن (٧) ذلك مخزون عندهم عليهمالسلام (٨) ، وأنهم كانوا في زمن تقيّة وفتنة ، فقد يجيبون عند السؤال بما هو الحكم شرعا وواقعا ، وقد يجيبون بخلافه تقية ، وقد لا يجيبون أصلا ، كما ورد عنهم عليهمالسلام : «إن الله قد فرض عليكم السؤال ، ولم يفرض علينا الجواب ، بل ذلك إلينا إن شئنا أجبنا ، وإن لم نشأ لم نجب» (٩).
فلا يتّجه إجراء هذه القاعدة ، ولا ما يترتّب عليها من الفائدة ؛ لأن وجود الحكم
__________________
(١) في «ح» بعدها : وجود.
(٢) هداية الأبرار : ٢٧٠.
(٣) تقريب الوصول إلى علم الاصول : ١٤٤.
(٤) ليست في «ح».
(٥) انظر الكافي ١ : ٢٢١ ـ ٢٢٧ ، باب أن الأئمَّة عليهمالسلام يرث بعضهم بعضا ، باب أن الأئمَّة عليهمالسلام ورثوا علم النبي صلىاللهعليهوآله ، وجميع الأنبياء والأوصياء.
(٦) في «ح» : حقّهم.
(٧) في «ح» : بعدها : جميع.
(٨) انظر الكافي ١ : ٢٣٨ ـ ٢٤٢ ، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليهاالسلام.
(٩) لم نعثر عليه بنصه ، انظر بصائر الدرجات : ٣٨ ـ ٤٣ / ب ١٩.