وروايته الاخرى قال : بعثني أبو عبد الله عليهالسلام إلى أصحابنا ، فقال : «قل لهم : إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى (١) بينكم في شيء من الأخذ والعطاء أن تتحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق ، اجعلوا بينكم رجلا ممن قد عرف حلالنا وحرامنا ، فإني قد جعلته قاضيا. وإياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر» (٢).
وهما ظاهرتان في العموم ، وربما كان نظر المولى الأردبيليّ رحمهالله في التقييد بالدين إلى ما أشار إليه في كلامه المتقدّم نقله من كتاب (آيات الأحكام) (٣) من الفرق بين العين والدين بأن الدين أمر كلي ثابت في الذمة لا يتشخص ولا يتعين في عين مخصوصة إلّا برضا صاحبه ، أو جبر الحاكم الشرعي وتعيينه ، وهما منتفيان في المقام. وأما العين فإنها مستحقّة لصاحبها لا يحتاج في تعيينها إلى من هي بيده ، ولا إلى حاكم شرعي ، فيجوز لصاحبها أخذها متى تمكّن منها. والتوصل إلى أخذها بحكم الجائر من قبيل التوصل إلى أخذها بسرقة أو غيلة.
وفيه :
أولا : أن هذا الفرق اجتهاد في مقابلة نصّ الآية والرواية ، فإنها ـ كما عرفت ـ ظاهرة في العموم على وجه معلوم غير موهوم.
وثانيا : أنه من المحتمل قريبا ، بل هو الظاهر أن العلة في المنع من الترافع إليهم والأخذ بأحكامهم ـ وإن وافق الحكم الشرعي ـ إنّما هو لزوم إعلاء كلمتهم في دعوى الإمامة والخلافة ، وتقمص تلك الخلافة ؛ ولهذا استفاضت الأخبار (٤) بالمنع عن مساعدتهم بالأمور المباحة في نفسها ، بل المستحبة في حدّ ذاتها ، فما بالك
__________________
(١) التدارؤ : التدافع. الصحاح ١ : ٤٨ ـ درأ.
(٢) تهذيب الأحكام ٦ : ٣٠٣ / ٨٤٦ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣٩ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٦.
(٣) زبدة البيان في أحكام القرآن : ٦٨٨ ـ ٦٨٩.
(٤) انظر : تحف العقول : ٣٣٢ ، بحار الأنوار ١٠٠ : ٤٥ / ١١.