غاية البعد ، بل متعذر ؛ فإنه سبحانه لم يكلف (١) بذلك ، لا في نفس الأحكام الشرعية ، ولا في متعلقاتها ؛ لما قدمناه في غير موضع. ألا ترى إلى يقين الحلية ويقين الطهارة المتكرر في الأخبار (٢) ، فإنه ليس إلّا عبارة عن عدم العلم بالتحريم وعدم العلم بالنجاسة لا عن العلم بالعدم؟ وعدم العلم كما ترى أعم من العلم بالعدم ، مع أن الشارع سماه علما ويقينا ، ومنع ألّا ينقض بالشك ؛ لأنه علم ويقين ولا ينقضه إلّا يقين مثله.
بقي الكلام في الأخبار المانعة من العمل بالظن في الأحكام ، والظاهر أن المراد بذلك الظن الممنوع من العمل عليه هو ما كان مستندا إلى الأخذ بالرأي والهوى ، والقياس والاستحسان ، ونحو ذلك مما خرج عن دليلي (الكتاب) والسنّة ، كما عليه العامة.
وإلى ذلك تشير جملة من الأخبار لا بأس بإيراد جملة منها في المقام ـ وإن طال به زمام الكلام ـ ليندفع به الطعن عن العلماء الأعلام ، كما ارتكبه جملة من متحذلقي الأخباريين وملؤوا به مصنفاتهم الممزوج فيها الغث بالسمين. ففي كتاب (الاحتجاج) عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : «إياكم وأصحاب الرأي ؛ فإنهم أعداء السنن ، تفلتت منهم الأحاديث أن يحفظوها ، وأعيتهم السنن أن يعوها».
__________________
(١) في «ح» بعدها : في الشريعة.
(٢) انظر : المحاسن ٢ : ٢٩٦ / ١٩٧٦ ، الكافي ٣ : ١ / ٣ ، باب طهور الماء ، و ٣ : ٥٤ / ٤ ، باب المني والمذي يصيبان الثوب والجسد ، و ٥ : ٣١٣ / ٤٠ ، باب نوادر كتاب المعيشة ، و ٦ : ٣٣٩ / ٢ ، باب الجبن ، الفقيه ١ : ٦ / ١ ، تهذيب الأحكام ١ : ٢١٥ / ٦١٩ ، و ١ : ٢٥٢ / ٧٢٨ ، و ١ : ٤١٨ / ١٣٢٢ ، و ٢ : ٣٦١ / ١٤٩٥ ، وسائل الشيعة ١ : ١٣٤ ، أبواب الماء المطلق ، ب ١ ، ح ٥ ، و ١ : ١٤٢ ـ ١٤٣ ، أبواب الماء المطلق ، ب ٤ ، و ٣ : ٤٢٤ ، أبواب النجاسات ، ب ١٦ ، ح ٤ ، و ٣ : ٥٢١ ، أبواب النجاسات ، ب ٧٤ ، ح ١ ، و ٢٥ : ١١٩ ، أبواب الأطعمة المباحة ب ٦١ ، ح ٥.