نعم ، لو كان ما أخذه المجتهد من الأحكام إنّما استند فيه إلى دليل خارج عن (الكتاب) والسنّة ، فلا ريب في توجه الطعن عليه.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : الظاهر ـ والله سبحانه وأولياؤه عليهمالسلام أعلم ـ أن المراد بمعلومية الحكم من الدليلين المذكورين ، الذي يكون ما عداه داخلا في الشبهات : ما هو أعم من أن يكون بالمعنى الذي ذكره المجتهدون في معنى العلم ، فإنه مما يحصل في كثير من الأحكام ، كما لا يخفى على من تدبرها من ذوي الافهام أو المعنى الآخر الذي ذكره الأخباريون فإنه أكثر [من] كثير في الأخبار ، أو يكون باعتبار معلومية الدليل عنهم عليهمالسلام وإن كان حصول الحكم (١) بطريق الظن الغالب.
ولعل هذا أظهر ؛ وذلك فإنه حيث جعل الشارع (الكتاب) والسنّة مناطا للأحكام ، ومرجعا في الحلال والحرام على الوجه المتقدم ذكره آنفا. فكل ما أخذ منهما واستند فيه إليهما ، فهو معلوم ومتيقن عنه ، حيث إنه مأخوذ من دليليه اللذين امر بالأخذ منهما والتمسك بهما.
والظن حينئذ ليس هو مناط العمل ، بل العلم بأنا مأمورون بالعمل بهما ، والأخذ بما فيهما ، وقيام الاحتمال الضعيف في مقابلة الظن الغالب لا يقدح فيه ولا ينافيه. وما اشتهر من أنه إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال ، فكلام شعري وإلزام جدلي ؛ إذ لو تم ذلك ، لانسدّ باب الاستدلال ؛ إذ لا قول إلّا وللقائل فيه مجال ، ولا دليل إلّا وهو قابل للاحتمال ، ولقام العذر لمنكري النبوات فيما يقابلون به أدلة المسلمين من الاحتمالات ، وكذا منكري التوحيد وجميع أصحاب المقالات.
وأمّا حمل العلم في هذا المقام على الحكم الجازم المطابق للواقع ، فهو بعيد
__________________
(١) في «ح» بعدها : منه.