وثانيها : ما ذكره (١) المحدّث المحسن الكاشاني في اصول (الوافي) في أبواب معرفة المخلوقات حيث قال في شرح الخبر المذكور وبعد نقله في باب البداء : (ومعنى نسبة التردّد إلى الله سبحانه قد مضى تحقيقه في أبواب معرفة المخلوقات والأفعال من الجزء الأوّل) (٢). وأشار بذلك إلى ما صرح به ثمة ، حيث قال : (فإن قيل : كيف يصح نسبة البداء إلى الله تعالى مع إحاطة علمه بكل شيء ؛ أزلا وأبدأ على ما هو عليه في نفس الأمر وتقدسه عما يوجب التغير والسنوح ونحوهما؟
فاعلم أن القوى المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الامور دفعة واحدة ؛ لعدم تناهي تلك الامور ، بل إنما تنتقش فيها الحوادث شيئا فشيئا ، وجملة فجملة مع أسبابها وعللها على نهج مستمر ونظام مستقر ، فإن ما يحدث في عالم الكون والفساد إنما هو من لوازم حركات الأفلاك المسخّرة لله تعالى ونتائج بركاتها ؛ فهي تعلم أنه كلما كان كذا كان كذا. فمهما حصل لها العلم بأسباب حدوث أمر ما في هذا العالم حكمت بوقوعه فيه ، فينتقش فيها ذلك الحكم ، وربما تأخّر بعض الأسباب الموجبة لوقوع الحادث على خلاف ما يوجبه بقيّة الأسباب لو لا ذلك السبب ولم يحصل لها العلم بذلك بعد ؛ لعدم اطلاعها على سبب ذلك السبب ، ثم لما جاء أوانه واطّلعت عليه حكمت بخلاف الحكم الأوّل ، فيمحى عنها نقش الحكم السابق ، ويثبت الحكم الآخر. مثلا ، لمّا حصل لها العلم بموت زيد بمرض كذا في ليلة كذا لأسباب تقتضي ذلك ، ولم يحصل لها العلم بتصدقه الذي سيأتي قبيل ذلك الوقت ؛ لعدم اطلاعها على
__________________
(١) في «ح» بعدها : المحقق.
(٢) الوافي ٥ : ٧٣٥ / ذيل الحديث ٢٩٥١ ـ ٦.