التردّد إنما هو في الأسباب ، بمعنى أن الله سبحانه يظهر للمؤمن أسبابا تغلب على ظنه دنوّ الوفاة ، ليصير إلى الاستعداد إلى الآخرة استعدادا تاما ، وينشط للعمل ، ثم يظهر له أسبابا توجب البسط في الأمل ، فيرجع إلى عمارة دنياه بما لا بدّ منه ، ولما كان ذلك بصورة التردد أطلق عليها ذلك استعارة ، إذا كان العبد المتعلق بتلك الأسباب بصورة المتردّد ، واسند التردّد إليه تعالى من حيث إنه فاعل للتردّد في العبد. وهو مأخوذ من كلام بعض القدماء الباحثين عن أسرار كلام الله تعالى (١) ، فالتردّد في اختلاف الأحوال لا في مقدار الآجال) (٢) انتهى.
ولا يخفى ما فيه من البعد والتكلف.
وسابعها : ما نقله أيضا في الكتاب المذكور وهو أن الله تعالى لا يزال يورد على المؤمن أسباب حبّ الموت حالا بعد حال ، حتّى (٣) ليؤثر المؤمن الموت ، فيقبضه مريدا له. وإيراد تلك الأحوال ـ المراد بها : غاياتها من غير تعجيل بالغايات من القادر ـ على التعجيل يكون (٤) تردّدا بالنسبة إلى قادرية المخلوقين. فهو بصورة تردد وإن لم يكن ثمة تردّد.
ويؤيده الخبر المروي أن إبراهيم عليهالسلام لما أتاه ملك الموت ليقبض روحه وكره ذلك ، أخّره الله تعالى إلى أن رأى شيخا يأكل ولعابه يسيل على لحيته ، فاستفظع ذلك وأحب الموت. وكذا موسى عليهالسلام) (٥).
أقول : وهذا الوجه مع سابقيه إنما تضمّن بيان التردّد في قبض روح العبد
__________________
(١) نقله البيهقي عن أبي سليمان الخطابي ، انظر الأسماء والصفات : ٦٦٤.
(٢) القواعد والفوائد ٢ : ١٨٢ ـ ١٨٣ / القاعدة : ٢١٢.
(٣) ليست في «ح».
(٤) في «ق» بعدها : إما ، وما أثبتناه موافق للنسخة «ح».
(٥) القواعد والفوائد ٢ : ١٨٢ ـ ١٨٣ / القاعدة : ٢١٣.