فقد حكم بثبوت الأحكام بهما ، فيصير الحكم ـ حينئذ ـ معلوما من الشارع ، ولا معنى للنجس ونحوه ـ كما عرفت ـ إلّا ذلك وإن فرض عدم ملاقاة النجاسة في (١) الواقع ، ألا ترى أنه وردت الأخبار بأن الأشياء كلّها على يقين الطهارة ويقين الحليّة حتى يعلم النجس والتحريم بعينه؟ مع أن هذا اليقين ـ كما عرفت ـ ليس إلّا عبارة عن عدم العلم بالنجاسة والحرمة. وعدم العلم لا يدلّ على العدم ، فيجوز أن تكون تلك الأشياء ـ كلّا أو بعضا ـ بحسب الواقع ونفس الأمر على النجاسة أو الحرمة لو كان كلّ من النجاسة والحرمة من الامور النفس الأمريّة الواقعيّة بدون علم المكلّف بذلك. وكذلك القول في حكم (٢) الشارع بقبول قول المالك في طهارة ثوبه وإنائه ، وطهارة ما في أسواق المسلمين وحليّته ؛ لعين ما ذكرنا.
وبالجملة ، فالعلم واليقين المتعلّق بهذه الأحكام ليس عبارة عمّا توهّموه من الإناطة بالواقع ونفس الأمر وإن لم يظهر للمكلّف ، وأن متيقّن النجاسة عند المكلّف ليس إلّا عبارة عمّا وجد فيه النجاسة ، حتى إنه يصير ما عدا هذا الفرد ممّا أخبر به المالك أو شهد به العدلان مظنون النجاسة ؛ إذ لو كان كذلك لزم مثله في جانب الطهارة ؛ إذ الجميع من باب واحد ، فإنها أحكام متلقّاة من الشارع ، فيختصّ الحكم بالطهارة يقينا حينئذ بما باشر المكلّف أو حضر تطهيره ولم يغب عنه بعد ذلك ، وإلّا لكان مظنون الطهارة أو مرجوحها ، مع أن المعلوم من الشرع ـ كما عرفت ـ خلافه ، فإنّه قد حكم بأن الأشياء على يقين الطهارة.
ويؤيّد (٣) ما صرنا إليه في هذا المقام ـ وإن غفل عنه جملة من علمائنا الأعلام ـ ما نقله في كتاب (المعالم (٤)) (٥) عن سيّدنا المرتضى رضياللهعنه ـ وارتضاه جملة
__________________
(١) ليست في «ح».
(٢) في «ح» : بحكم ، بدل : في حكم.
(٣) في «ح» : يزيد.
(٤) من «م» ، وفي «ح» : لمعة ، وفي «ق» : العلل.
(٥) معالم الاصول : ٢٦٩ ، بالمعنى.