الحكم فيطلبه. وحينئذ ، فيكون الأولى أن يجعل (١) الضابط هكذا : الجاهل معذور إلّا ما قام الدليل عليه. والأكثر عكسوا الكلية ، وقالوا : الجاهل كالعالم إلّا ما خرج بالدليل ، فيلزم ما تقدم من الضيق والحرج ، وللنظر إلى ما حررناه وردت الأخبار المتضمّنة لقولهم عليهمالسلام : «ما أخذ الله على الجهّال أن يتعلّموا حتّى أخذ على العلماء أن يعلّموا» (٢).
وقال مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام في وصف نفسه الشريفة : «طبيب دوار بطبه ، قد أحكم مراهمه ، وأحمى مواسمه ، يضع عن ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي ، وآذن صمّ ، وألسنة بكم ، متتبّع (٣) بدوائه في مواضع الغفلة ومواطن الحيرة» (٤).
يعني : أنه عليهالسلام طبيب داء الجهل ، والجهال مرضى القلوب (٥). ومن القانون أن الطبيب يمضي إلى المريض كما كان المسيح عليهالسلام يفعل ذلك ، فقال له الحواريون : هنا؟ في موضع ما كانوا عهدوه يمضي إليه ، فقال : «نعم إنّما يأتي الطبيب المريض» (٦).
والمراد ب «مراهمه» : علومه ومواعظه التي هي مراهم قلب الجاهل. والمراد من «المراسم» : سيفه وسوطه ، فإن من لا تنفع فيه المواعظ وقعت عليه الحدود الإلهيّة.
والحاصل أن الجهّال معذورون حتّى يأتي إليهم علوم الأحكام والمعرفة بها من علماء الدين) انتهى كلامه ، زيد إكرامه.
__________________
(١) في «ح» : يحصل.
(٢) بحار الأنوار ٢ : ٧٨ / ٦٧.
(٣) في «ح» : تتبع.
(٤) نهج البلاغة : ٢٠١ / الخطبة : ١٠٨ ، بحار الأنوار» ٣٤ : ٢٤٠.
(٥) من «م».
(٦) شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) ٧ : ١٨٣ ، وفيه : إنما يأتي الطبيب المرضى.