وقد عبّر الناس عن رغبتهم في الدّعة وكراهيتهم للقتال ؛ بتثاقلهم عن الخروج لحرب الفرق السورية التي كانت تغير على الحجاز ، واليمن ، وحدود العراق ، وتثاقلهم عن الاستجابة للإمام عليهالسلام حين دعاهم للخروج ثانية إلى صفّين.
فلمّا استشهد الإمام علي عليهالسلام وبويع الحسن عليهالسلام بالخلافة برزت هذه الظاهرة على أشدّها ، وبخاصّة حين دعاهم الحسن عليهالسلام للتجهّز لحرب الشام ، حيث كانت الاستجابة بطيئة جدّاً.
وبالرغم من أنّ الإمام الحسن عليهالسلام قد استطاع بعد ذلك أن يجهّز لحرب معاوية جيشاً ضخماً ، إلاّ إنّه كان جيشاً كُتبت عليه الهزيمة قبل أن يلاقي العدو بسبب التيارات المتعدّدة التي كانت تتجاذبه ، فقد.
«خفّ معه أخلاط من الناس : بعضهم شيعة له ولأبيه ، وبعضهم محكّمة ـ أي خوارج ـ يؤثرون قتال معاوية بكلّ حيلة ، وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم ، وبعضهم شكّاك وأصحاب عصبية اتّبعوا رؤساء قبائلهم» (١).
وقد كان رؤساء القبائل هؤلاء قد باعوا أنفسهم من معاوية الذي كتب إلى كثير منهم يُغريهم بالتخلّي عن الحسن عليهالسلام والالتحاق به ، وأكثر أصحاب الحسن عليهالسلام لم يستطيعوا مقاومة هذا الإغراء ، فكاتبوا معاوية واعدين بأن يسلّموه الحسن عليهالسلام حيّاً أو ميّتاً. وحين خطبهم الإمام الحسن عليهالسلام ليختبر مدى إخلاصهم وثباتهم ، هتفوا به من كلّ جانب : «البقيّة البقيّة» (٢) ، بينما هاجمته طائفة منهم تريد قتله. هذا في الوقت الذي أخذ الزعماء يتسلّلون تحت جنح الليل إلى معاوية بعشائرهم.
__________________
أعيان الشيعة ٤ ، ـ قسم أول : ٥٠ ـ ٥١.