ولمّا رأى الإمام الحسن عليهالسلام ـ أمام هذا الواقع السيِّئ ـ أنّ الظروف النفسية والاجتماعيّة في مجتمع العراق جعلت هذا المجتمع عاجزاً عن النهوض بتبعات القتال ، وانتزاع النصر ، ورأى أنّ الحرب ستكلّفه استئصال المخلصين من أتباعه بينما يتمتّع معاوية بنصر حاسم ، حينئذ جنح إلى الصلح بشروطٍ منها ألاّ يعهد معاوية لأحد من بعده ، وأن يكون الأمر للحسن ، وأن يترك الناس ويُؤمنوا.
ولقد كان هذا هو الطريق الوحيد الذي يستطيع الحسن عليهالسلام أن يسلكه باعتباره صاحب رسالة قد اكتنفته هذه الظروف السيئة المُؤيسة.
ونحن حين نسمح لأنفسنا أن نندفع وراء العاطفة نحسب أنّه كان على الحسن عليهالسلام أن يُحارب معاوية ولا يُهادنه ، وإنّ ما حدث له لم يكن إلاّ استسلاماً مُذلاً مكّن معاوية من أن يستولي على الحكم بسهولة ما كان يحلم بها. وقد انزلق في هذا الخطأ كثير من أصحابه المؤمنين المخلصين ، وقد عبّر بعضهم عن المرارة التي يحسّ بها بأنّ خاطب الحسن عليهالسلام بقوله : (يا مُذلّ المؤمنين). هذا ، ولكن علينا أن نفكّر بمقاييس اُخرى إذا شئنا فهم موقف الإمام الحسن عليهالسلام الذي يبدو محيّراً لأوّل وهلة ، فلا شك أنّ الإمام الحسن عليهالسلام لم يكن مُغامراً ، ولا طالب ملك ، ولا زعيماً قبلياً يُفكّر ويعمل بالعقلية القبلية ، وإنّما كان صاحب رسالة ، وحامل دعوة ، وكان عليه أن يتصرّف على هذا الأساس. ولقد كان الموقف الذي اتّخذه هو الموقف الملائم لأهدافه كصاحب رسالة وإن كان ثقيلاً على نفسه ، مؤلماً لمشاعره الشخصيّة.
لقد كان من الممكن بالنسبة لقائد مُحاط بنفس الظروف السيئة التي كان الإمام الحسن عليهالسلام مُحاطاً بها أن يتّخذ من الأحداث أحد ثلاثة مواقف :
الأوّل : أن يُحارب معاوية رغم الظروف السيئة ، ورغم النتائج المؤلمة التي تترتّب على هذا الموقف.
الثاني : أن يُسلّم السلطة إلى معاوية ، وينفض يده من الأمر ، ويتخلّى عن