بأن يظلّلوهم ، ولا يمكن أن يكتشفوا ذلك إلاّ إذا عانوا هذا الحكم بأنفسهم : عليهم أن يكتشفوا طبيعة هذا الحكم وواقعه ، وما يقوم عليه من اضطهاد وحرمان ، ومُطاردة مُستمرة ، وخنق للحريات ، وعلى الإمام الحسن عليهالسلام وأتباعه المخلصين أن يفتحوا أعين الناس على هذا الواقع ، وأن يُهيّئوا عقولهم وقلوبهم لاكتشافه ، والثورة عليه ، والإطاحة به.
ولم يطل انتظار أهل العراق ، فقد قال لهم معاوية حين دخل الكوفة :
«يا أهل الكوفة ، أترون أنّي قاتلتكم على الصلاة ، والزكاة ، والحجّ ، وقد علمت أنّكم تُصلّون ، وتُزكّون ، وتحجّون؟! ولكنّي قاتلتكم لأأتمر عليكم ، وألي رقابكم ، وقد أتاني الله ذلك وأنتم كارهون. ألا إنّ كلّ دم اُصيب في هذه مطلول ، وكلّ شرط شرطته فتحت قدمي هاتين» (١).
ثمّ اتّبع ذلك طائفة من الإجراءات التي صدمت العراقيين ؛ أنقص من أعطيات أهل العراق ليزيد في أعطيات أهل الشام ، وحملهم على أن يُحاربوا الخوارج فلم يتح لهم أن ينعموا بالسلم الذي كانوا يحنّون إليه ، ثمّ طبّق منهاجه الذي شرحناه في الفصل السابق ؛ الإرهاب ، التجويع ، والمُطاردة ، ثمّ أعلن بسبّ أمير المؤمنين علي عليهالسلام على منابر المسلمين.
وبيّنما راح الزعماء القبليون يجنون ثمرات هذا العهد ، بدأ العراقيون العاديون يكشفون رويداً طبيعة هذا الحكم الظالم الشرس الذي سعوا إليه بأنفسهم ، وثبّتوه بأيديهم.
«وقد جعل أهل العراق يذكرون حياتهم أيام علي فيحزنون عليها ، ويندمون على ما كان من تفريطهم في جنب خليفتهم ، ويندمون على ما كان من الصلح بينهم
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٤ / ١٦.