«إنّي رأيت هوى عظم الناس في الصلح ، وكرهوا الحرب ، فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون ؛ فصالحت بقياً على شيعتنا خاصّة من القتل ، ورأيت دفع هذه الحرب إلى يوم ما ؛ فإنّ الله كلّ يوم هو في شأن» (١).
وإذاً ، فهذه فترة إعداد وتهيؤ حتّى يأتي اليوم الموعود ، حين يكون المجتمع قادراً على الثورة مستعداً لها ، أمّا الآن فلم يبلغ المجتمع هذا المستوى من الوعي ، بل لا يزال أسير الأماني والآمال ، هذه الأماني والآمال التي بثّت فيه روح الهزيمة التي صوّرها الإمام الحسن عليهالسلام لعلي بن محمد بن بشير الهمداني حين قال له :
«ما أردت بمصالحتي معاوية إلاّ أن أدفع عنكم القتل عندما رأيت من تباطؤ أصحابي عن الحرب ، ونكولهم عن القتال. ووالله لئن سرنا إليه بالجبال والشجر ما كان بدّ من إفضاء هذا الأمر إليه» (٢).
وإذاً فقد كان دور الحسن عليهالسلام أن يُهيئ عقول الناس وقلوبهم للثورة على حكم الاُمويِّين ، هذا الحكم الذي كان يشكّل إغراءً قوياً للعرب في عهد أمير المؤمنين علي عليهالسلام ، والذي غدا فتنة للعراقيين بعده حملتهم على التخلّي عن الإمام الحسن عليهالسلام في أحلك الساعات ، وذلك بأن يدع لهم فرصة اكتشافه بأنفسهم ، مع التنبيه على ما فيه من مظالم ، وتعدٍّ لحدود الله.
* * *
ولم يكن الحسين عليهالسلام أقلّ إدراكاً لواقع مجتمع العراق من أخيه الحسن عليهالسلام ؛ لقد رأى من هذا المجتمع وتخاذله مثل ما رأى أخوه ، ولذلك
__________________
(١) الدينوري الأخبار الطوال : ٢٠٢.
(٢) الأخبار الطوال ٢٢١.