هذه الثورة قوّة على قوّتهم فلم تنل منهم شيئاً ، وأمّا صانعوها فقد أكلتهم نارها ، وشملت أعقابهم مئات من السنين ؛ فحملت إليهم الموت والذلّ ، والتشريد والحرمان ، فهي فاشلة على الصعيد الاجتماعي ، وهي فاشلة على الصعيد الفردي.
ولكنّ الحقّ غير ذلك في عين الباحث البصير.
فإنّ علينا لكي نفهم ثورة الحسين عليهالسلام أن نبحث عن أهدافها ونتائجها في غير النصر الآني الحاسم ، وفي غير الاستيلاء على مقاليد الحكم والسلطان ، فإنّ ما بين أيدينا من النصوص دالّ على أنّ الحسين عليهالسلام كان عالماً بالمصير الذي ينتظره وينتظر مَنْ معه.
قال لابن الزبير حين طلب منه إعلان الثورة في مكة :
«وأيم الله ، لو كنت في جُحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا بي حاجتهم. والله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت» (١).
وكان يقول :
«والله ، لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلّط الله عليهم مَنْ يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام المرأة» (٢).
وأجمع نصحاؤه ـ حين شاع نبأ عزمه على المسير إلى العراق ـ على أنّه فاشل حتماً في الوصول إلى نتيجة سريعة من ثورته ، فقد كانت قوى المال والسلاح مُتّحدة ضدّه ، فكيف ينتصر؟ وفزعوا إليه ينصحونه بالمكوث في مكة ، أو الخروج عنها إلى غير العراق من بلاد الله ؛ من هؤلاء عمر بن عبد
__________________
(١) و (٢) انظر : تأريخ الطبري ٤ / ٢٨٩ و ٢٩٦ ، والكامل ٣ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦ ، والأخبار الطوال ، ٢٢٣.