شكل الثورة المُسلحة ؛ فقد صُرع في كربلاء جميع الثائرين ، إنّه مُنذ اليوم نضال كلامي ، ولقد واصلت ثورة الحسين عليهالسلام في هذا الاتجاه اُخته زينب عقيلة آل أبي طالب.
وقد انكشف هذا الزيف الديني ـ الذي موّه الاُمويّون به حكمهم ـ سريعاً بعد مصرع الحسين عليهالسلام وآله ؛ فقد نشر الجنود العائدون تفاصيل الملحمة المروّعة في طول البلاد الإسلاميّة وعرضها ، فكان لذلك فعل النار بالنسبة إلى السلطان الاُموي وقد روى المؤرّخون لمّا وصل رأس الحسين عليهالسلام إلى يزيد حسُنت حال ابن زياد عنده ، ووصله وسرّه ما فعل ، ثمّ لم يلبث إلاّ يسيراً حتّى بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبّهم ، فندم على قتل الحسين (١).
لقد تحطّم منذ ذلك اليوم الإطار الديني الذي أحاط به الحكّام الظالمون حكمهم الفاسد ، لم تعُد لهذا الحكم حرمة دينية عند الجماهير المُسلمة. وقد عرفت فيما سبق أنّ الاُمويِّين أنشؤوا جماعة فكرية تتّخذ من نشاطها الفكري وسيلة لتغطية نشاطها السياسي ، ولإسباغ صفة مشروعة على هذا النشاط ، وهي فرقة المرجئة التي تُؤيّد حكومة بني اُميّة ، وتسبغ على تصرّفاتهم صفة دينية ، وتقدّم للناس تفسيراً دينياً خاصّاً يجعل الحاكمين بمأمن من أن ينظر المسلمون إلى أفعالهم المنافية للدين نظرة غضب واستنكار.
وقد دأب الفقهاء الرسميون على إصدار الفتاوى التي تحرّم على الجماهير الثورة على الحكم الفاسد.
قال الشربيني في كتاب مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج :
«وقد عرّف المصنّف البُغاة بقوله : هم مسلمون مُخالفوا الإمام ولو جائراً ، وهم عادلون كما قال القفّال ، وحكاه ابن القشيري عن معظم
__________________
(١) الطبري ٤ / ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، الكامل ٣ / ٣٠٠ ، وتأريخ الخلفاء ، ٢٠٨ ، وغيرها.