والقيم التي هجرها المجتمع ، أو حرّفها إذا كان للمجتمع مثل هذا التراث ، كما هو الحال في المجتمع الإسلامي الذي كانت سياسة الاُمويِّين المجافية للإسلام تحمله على هجر القيم الإسلاميّة ، واستلهام الأخلاق الجاهليّة في الحياة ، وتوفّر هذا الهدف في الثورة الصحيحة من جملة مقوّمات وجودها ؛ لأنّ العلاقات الإنسانيّة في الواقع علاقات منحطّة وفاسدة ، وموقف الإنسان من الحياة موقف متخاذل ، أو موسوم بالانحطاط والانهيار ، ولذلك انتهى الواقع إلى حدّ من السوء بحيث غدت الثورة علاجه الوحيد. وإذاً فالدعوة إلى نموذج من الأخلاق أسمى ممّا يمارسه المجتمع ضرورة لازمة ؛ لأنّه لا بدّ أن تتغيّر نظرة الإنسان إلى نفسه ، وإلى الآخرين وإلى الحياة ؛ ليمكن إصلاح المجتمع.
ولقد قدّم الحسين عليهالسلام وأصحابه الأخلاق الإسلاميّة العالية بكامل صفاتها ونقائها ، ولم يُقدّموا إلى المجتمع الإسلامي هذا اللون من الأخلاق بألسنتهم ، وإنّما كتبوه بدمائهم ، بحيواتهم ...
* * *
لقد اعتاد الرجل العادي إذ ذاك أن يرى الزعيم القبلي ، أو الزعيم الديني يبيع ضميره بالمال ، وبعرض الحياة الدنيا. لقد اعتاد أن يرى الجباه تعنو خضوعاً وخشوعاً لطاغية حقير ؛ لمجرّد أنّه يملك أن يحرم من العطاء. لقد خضع الزعماء الدينيون والسياسيون ليزيد على علمهم بحقارته وانحطاطه ، وخضعوا لعبيد الله بن زياد على علمهم بأصله الحقير ، ومنبته الوضيع ، وخضعوا لغير هذا وذلك من الطغاة ؛ لأنّ هؤلاء الطغاة يملكون الجاه ، والمال ، والنفوذ ، ولأنّ التقرّب منهم ، والتودّد إليهم كفيل بأن يجعلهم ذوي نفوذ في المجتمع ، وأن يسبغ عليهم النعمة والرفاه وهناءة العيش. وكان هؤلاء الزعماء يرتكبون كلّ شيء في سبيل نيل هذه الحظوة ، كانوا يخونون مجتمعهم ، فيتمالؤون مع هؤلاء الطغاة على إذلال هذا المجتمع وسحقه ،