وحرمانه ، وكانوا يخونون ضمائرهم ، فيبتدعون من ألوان الكذب ما يدعم هذه العروش ، وكانوا يخونون دينهم الذي يأمرهم بتحطيم الطغاة بدل عبادتهم.
كان الرجل العادي في المجتمع الإسلامي آنذاك يعرف هذا اللون من الرجال ، ويعرف لوناً آخر منهم ، وهم اُولئك الزهاد الدجّالون الذين يتظاهرون بالزهد رياءً ونفاقاً ، حتّى إذا تقرّبوا من الطغاة كانوا لهم أعواناً وأنصاراً. إنّهم هذا الصنف الذي وصفه الإمام علي عليهالسلام بقوله :
«ومنهم مَنْ يطلب الدنيا بعمل الآخرة ، ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا ، قد طامن من شخصه ، وقارب من خطوه ، وشمّر من ثوبه ، وزخرف من نفسه للأمانة ، واتّخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية» (١).
هؤلاء هم الزعماء الذي كان الرجل العادي يعرفهم وقد اعتادهم وألِفَهم ، بحيث غدا يرى عملهم هذا طبيعياً لا يثير التساؤل.
ولذلك فقد كان غريباً جدّاً على كثير من المسلمين آنذاك أن يروا إنساناً يخيّر بين حياة رافهة فيها الغنى ، وفيها المتعة ، وفيها النفوذ والطاعة ، ولكن فيها إلى جانب ذلك كلّه الخضوع لطاغية ، والإسهام معه في طغيانه ، والمساومة على المبدأ والخيانة له ، وبين الموت عطشاً ، مع قتل الصفوة الخلّص من أصحابه ، وأولاده وإخوته ، وأهل بيته جميعاً أمامه ، وحيث تنظر إليهم عينه في ساعاتهم الأخيرة وهم يلوبون ظمأ ، وهم يكافحون بضراوة وإصرار عدوّاً هائلاً يريد لهم الموت ، أو هذا اللون من الحياة ، ثمّ يرى مصارعهم واحداً بعد واحد ، وأنّه ليعلم أي مصير فاجع محزن ينتظر آله ونساءه من بعده ؛ سبي ، وتشريد ، ونقل من بلد إلى بلد ، وحرمان ...
__________________
(١) انظر : نهج البلاغة / الخطبة ٣٢.