النموذج الذي يتعالى ويتعالى حتّى ليكاد القائل أن يقول : ما هذا بشر ...
ولقد هزّ هذا اللون من الأخلاق ، هذا اللون من السلوك الضميرَ المسلم هزّاً مُتداركاً ، وأيقظه من سُباته المرَضي الطويل ؛ ليشاهد صفحة جديدة مُشرقة يكتبها الإنسان بدمه في سبيل الشرف والمبدأ ، والحياة العارية من الذلّ والعبودية. ولقد كشف له عن زيف الحياة التي يحياها ، وعن زيف الزعماء ـ أصنام اللحم ـ الذين يعبدهم ، وشق له طريقاً جديداً في العمل ، وقدّم له اُسلوباً جديداً في العمل ، وقدّم له اُسلوباً جديداً في مُمارسة الحياة ، فيه قسوة وفيه حرمان ، ولكنّه طريق مُضيء لا طريق غيره جدير بالإنسان.
ولقد غدا هذا اللون المُشرق من الأخلاق ، وهذا النموذج الباهر من السلوك خطراً رهيباً على كلّ حاكم يُجافي روح الإسلام في حكمه. إنّ ضمائر الزعماء قليلاً ما تتأثّر بهذه المُثل المضيئة ، ولكنّ الذي يتأثّر هي الاُمّة ، وهذا هو ما كان يريده الحسين عليهالسلام. لقد كان يريد شقّ الطريق للاُمّة المُستعبدة لتناضل عن إنسانيتها.
* * *
وفي جميع مراحل الثورة ، منذ بدايتها في المدينة حتّى ختامها الدامي في كربلاء ، نلمح التصميم على هذا النمط العالي من السلوك.
ها هو الحسين عليهالسلام يقول لأخيه محمد بن الحنفيّة وهما بعد في المدينة :
«يا أخي ، والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية» (١).
وها هو يتمثل بأبيات يزيد بن مفرغ الحميري (٢) حين انسلّ من المدينة في جنح الليل إلى مكة :
__________________
(١) أعيان الشيعة ٤ / قسم أول / ١٨٦.