وإنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين ؛ بين السّلة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، واُنوف حميّة ، ونفوس أبيّة لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام» (١).
وها هو يخطب أصحابه فيقول :
«أمّا بعد ، فقد نزل من الأمر بنا ما ترون ، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، وأدبر معروفها ، ولم يبقَ منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله ؛ فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً» (٢).
وكان يقول كثيراً :
«موت في عزّ خير من حياة في ذلّ» (٣).
كلّ هذا يكشف عن طبيعة السلوك الذي اختطّه الحسين عليهالسلام لنفسه ولمَنْ معه في كربلاء ، وألهب به الروح الإسلاميّة بعد ذلك ، وبثّ فيها قوّة جديدة.
* * *
لقد عرفت كيف كان الزعماء الدينيون والسياسيون يُمارسون حياتهم. وهنا نرسم لك صورة عن نوع الحياة التي كان يُمارسها الإنسان العادي إذ
__________________
(١) أعيان الشيعة ٤ ـ قسم أول ـ ٢٥٨ ـ ٢٥٩.
(٢) المصدر السابق ، ٢٣٤.
(٣) المصدر السابق ، ١٣٥.