في هذه الثورة ، وعليك لكي تخرج بهذه الصورة الوافية أن تقرأ قصّة كربلاء بتمامها ، وغاية ما أستطيعه هنا هو أن أقدّم لك لمحات من سلوكهم العالي :
ـ في زُبالة استبان للحسين عليهالسلام مصيره حين علم بقتل رسوله إلى أهل الكوفة مسلم بن عقيل ، وأخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر ، فأخبر مَنْ معه بذلك ، وقال :
«أمّا بعد ، فإنّه قد أتاني خبر فظيع ؛ قتل مسلم بن عقيل ، وهانئ بن عروة ، وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا ، فمَنْ أحبّ منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ، ليس عليه منّا ذمام» (١).
فتفرّق عنه الناس يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الذين يُريدون الموت معه ، واستمروا على عزمهم هذا إلى اللحظة الأخيرة لكلّ منهم. اللحظة التي أدّى فيها ضريبة الدم كاملة.
ـ في كربلاء أقبل على أصحابه فقال :
«الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يُحوطونه ما درّت معايشهم ، فإذا مُحِّصوا بالبلاء قلّ الديّانون».
ثمّ قال :
«أمّا بعد ، فقد نزل من الأمر بنا ما ترون ، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها ، ولم يبقَ منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله ؛ فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً».
__________________
(١) الطبري ٤ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، وأعيان الشيعة ٤ / قسم أول ـ ٢٢٣.