كانت كلّ هذه الأسباب تحول بين الناس وبين الثورة ، فجاءت ثورة الحسين عليهالسلام ونسفت هذه الأسباب كلّها ، وأعدّت الناس إعداداً كاملاً للثورة.
وللرّوح النضالية شأن كبير وخطير في حياة الشعوب وحكّامها.
فحين تكون الرّوح النضالية هامدة ، وحين يكون الشعب مُستسلماً لحكّامه يشعر حكّامه بالأمان فيفعلون كلّ شيء ، ويرتكبون ما يشاؤون دون أن يحسبوا حساب أحد. هذا من جهة الحاكمين. وأمّا المحكومون فتلاحظ أنّه كلّما امتد الزمن بهمود الرّوح النضالية سهل التسلّط على الشعب ، واستشرت فيه روح التواكل والخنوع ، واستمرأ الرضا بحياته القائمة ، ولم يعُد بحيث يُرجى منه القيام بمحاولة جدّية لتطوير واقعه وإثبات وجوده أمام حاكميه ، وهذا يجعل إصلاحه وتطويره أمراً بالغ الصعوبة.
ولقد كان الإمام علي عليهالسلام حريصاً على أن تبقى روح النضال حيّة نامية في الشعب ؛ لتبقى للشعب القدرة على الثورة حين تدعو الأحوال للثورة ، وتشهد لذلك هذه الكلمة التي قالها وهو على فراش الموت ، ومن جملة وصيته :
«لا تُقاتلوا الخوارج بعدي ؛ فليس مَنْ طلب الحقّ فأخطأه كمَنْ طلب الباطل فأدركه» (١).
معرّضاً بمعاوية بن أبي سفيان.
وعلّة هذا واضحة ، فقد حارب هو الخوارج ؛ لأنّهم تمرّدوا على حكم يتجاوب مع مصالح الشعب العليا ، انسياقاً مع أفكار خاطئة وسخيفة ، ولكن هذا لم يغيّر موقفهم من الحكم الاُموي الذي كانوا لا يزالون يرونه حكماً بغير حقّ ، فكان يريد ألاّ يتكتّل المجتمع ضدّهم بعده ؛ إذ سيُمكنهم
__________________
(١) نهج البلاغة : ١ / ١٣٣.