وها هو ـ وقد أُحيط به ، وقيل له : انزل على حكم بني عمّك ـ يقول : «لا والله ، لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أُقرّ إقرار العبيد ، ألا وإنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين : بين السّلة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، واُنوف حمية ، ونفوس أبيّة لا تُؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام» (١).
كلّ هذا يكشف عن طبيعة السلوك الذي اختطّه الحسين عليهالسلام لنفسه ولمَنْ معه في كربلاء ، وألهب به الرّوح الإسلاميّة بعد ذلك ، وبثّ فيها قوّة جديدة.
* * *
لقد عرفت كيف كان الزعماء الدينيون والسياسيون يُمارسون حياتهم ، وهذا يرسم لك صورة عن نوع الحياة التي كان يُمارسها الإنسان العادي إذ ذاك. لقد كان همّ الرجل العادي هو حياته الخاصة ، يعمل لها ، ويكدح في سبيلها ، ولا يُفكّر إلاّ فيها ، فإذا اتّسع أُفقه كانت القبيلة محل اهتمامه. أمّا المجتمع وآلامه ، المجمع الكبير فلم يكن ليستأثر من الرجل العادي بأي اهتمام. كانت القضايا العامّة بعيدة عن اهتمامه ، لقد كان العمل فيها وظيفة زُعمائه الدينيين والسياسيين ، يُفكّرون ويرسمون خُطّة العمل ، وعليه أن يسير فقط ، فلم تكن للرّجل العادي مشاركة جدّية إيجابية في قضايا المجتمع العامّة.
وكان يهتم غاية الاهتمام بعطائه ، فيُحافظ عليه ، ويُطيع توجيهات زُعمائه خشية أن يُمحى اسمه من العطاء ، ويسكت عن نقد ما يراه جوراً
__________________
(١) أعيان الشيعة ٤ قسم الاول ٢٥٨ ـ ٢٥٩.