وقد جدّت إلى جانب هذه الطّبقة الثريّة طبقة أُخرى فقيرة ، لم تملك أرضاً ولا مالاً ، وليس لها عطاءات ضخمة ، تلك هي طبقة الجنود المُقاتلين وأهلهم وذراريهم. وقد تكوّنت هذه الطبقة باستئثار عثمان وعمّاله بالفيء والغنائم لأنفسهم والمُقرّبين منهم ، وحرمان المقاتلين منها ؛ مدّعين أنّ الفيء لله وليس للمحارب إلاّ أجر قليل يُدفع إليه (١).
أمّا السّواد ، سواد العراق ، فهو ـ على حدّ تعبير سعيد بن العاص والي عثمان على الكوفة ـ
«بُستان لقريش ، ما شئنا أخذنا منه وما شئنا تركناه» (٢).
وأمّا أموال بيت المال فقد قال عثمان نفسه عنها :
«لنأخُذنّ حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت أُنوف أقوام» (٣).
ومضت الأيّام ، والأحداث تزيد الهُوّة اتّساعاً بين هاتين الطبقتين ؛ فبينما تزداد الطّبقة الإرستقراطية الثريّة ثراء وتسلّطاً ، وتُمعن في اللهو والبطالة والعبث بحيث يُشارك بعض أولاد الخليفة نفسه في اللهو الحرام والمجون (٤) ، تُزداد الطّبقة الأُخرى فقراً وإحساساً بهذا الفقر.
ولم يكن المُسلمون بحاجة إلى وقت طويل ليتبيّن لهم أنّهم حين بايعوا عثمان قد سلّموا السّلطان الفعلي على المُسلمين إلى آله وذوي قرابته من بني
__________________
(١) حسن ابراهيم حسن : تاريخ الإسلام ١ / ٣٥٨.
(٢) المسعودي : مروج الذهب ٢ / ٣٤٦.
(٣) ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ٣ / ٤٩.
(٤) «قُتل عثمان وابنه الوليد ـ وكان صاحب شراب وفتوّة ومجون ـ وهو مُخَلق الوجه ، سكران ، عليه مصبغات واسعة». مروج الذهب ٢ / ٣٤١. والمعارف لابن قتيبة (دار الكتب ١٩٦٠) ٢٠٢.