تدبير دبّره مَنْ لم يُماش الحكم الجديد أهواءهم من بني أميّة وغيرهم من المنتفعين بعهد عثمان ، وقد كان القائمون بهذه الحركة يريدون أن يعطفوا أزمّة الحكم إلى جانبهم بعد أن يئسوا من مساعدة الإمام عليهالسلام لهم على ما يبتغون ، ولكنّ الإمام عليهالسلام قضى على الحركة في مهدها ، وفرّ مَنْ بقي من أنصارها إلى الشام ، حيث قامت حكومة برياسة معاوية بن أبي سفيان ، انضوت إليها جميع العناصر المنتفعة بعهد عثمان ، والتي رأت في الحكم الجديد خطراً عليها وعلى امتيازاتها الطبقية وبينما كانت حكومة الإمام عليهالسلام تسير على نهج إسلامي خالص ، أي أنّها كانت تحقّق للأمّة أقصى قدر مستطاع ـ في ظروفها السياسيّة والاقتصادية والعسكرية ـ من الرفاهية ، والعدالة والأمن ، كان معاوية يسير على نهج آخر في الحكم يقوم على شراء الضمائر بالمال ، وتفضيل طائفة بحرمان طائفة أخرى ، وتعطيل السبل ، وتعكير الأمن ، ولم يكن معاوية ليبالي في أن ينزل بدافعي الضرائب من الزرّاع ، والتجّار أفدح الظلم في سبيل أن يحصل منهم على مبلغ من المال يُغذّي به أطماع حفنة من رؤساء القبائل العربية يؤلّفون جهازه العسكري المتأهّب دائماً لقمع أي حركة تحرريّة تقوم بها جماعة من الناس.
وقد كان من الطبيعي أن تقوم حركة تمرّد أخرى وراء الواجهة نفسها بزعامة معاوية ، فكانت صفين ، وكان التحكيم ثمّ النهروان ، ثم قُتل عليهالسلام بثمرة من ثمرات التحكيم بعد أن غرس في عقول الناس وقلوبهم المبادئ الإسلاميّة في الحكم وسياسة الجماعات. ثم كانت خلافة الحسن بن علي عليهالسلام ذات الشهور العاصفة ، الحُبلى بالدسائس والمؤامرات عليه من قبل الانتهازيين والوصوليين ، ثم اضطراره إلى التخلّي عن الحكم مؤقتاً تحت ضغط الأحداث التي لم تكن صالحة تفادياً لحرب خاسرة تذهب فيها دماء أنصاره دون الحصول على نصر آني أو في المستقبل القريب أو البعيد.
وصار الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان ، واتّسقت له الأمور ، وسيطر على العالم الإسلامي كلّه بعد أن أُخذت له البيعة على الناس في شوّال سنة