وقد كان زياد بن سميّة من أبرع عمّال معاوية في هذا الميدان ، وممّا يؤثر عنه أنّه عندما همّ القبض على حجر بن عدي الكندي أمر محمد بن الأشعث الكندي بالقبض عليه هادفاً من وراء ذلك إلى زرع بذور الشقاق في كندة ، وهي من أقوى قبائل الكوفة ؛ ليستريح من وحدتها ، ويلهي كلاً من أنصار حجر وأنصار محمد بأعدائه الجدد ، ولكنّ يقظة حجر فوّتت على زياد هذه الفرصة ، فسلّم نفسه إلى السلطة طوعاً (١).
وقد قال عنه ولهاوزن :
«... ولكنّ الواقع أنّه لم يقض في الكوفة على ثورة الشيعة بواسطة الشرطة ، بل بعون من القبائل نفسها ... وتمكّنه الغيرة القائمة بين القبائل من أن يضرب بعضها ببعض» (٢).
وقال عنه أيضاً :
«... وعرف زياد كيف يخضع القبائل بأن يضرب إحداها بالأخرى ، وكيف يجعلها تعمل من أجله ، وأفلح في ذلك» (٣).
وقد سلك ابنه عبيد الله هذا المسلك حين ولاّه معاوية البصرة بعد أبيه ، وممّا يؤثر عنه في هذا الباب أنّه أغرى بين صديقيه الشاعرين أنس بن زنيم الليثي وحارثة بن بدر الفداني ، وكان يُكره أحدهما على هجاء الآخر وقومه حتّى وقع بينهما شرّ بسبب ذلك ، وعبيد الله ماضٍ في الإيقاع
__________________
(١) ونرى عند أحد رفقاء حجر ، وهو قبيصة بن ربيعة العبسي ، تنبّهاً لهذه الأساليب ؛ فقد قال لأبي شريف البدري حين قدم ليقتل في مرج عذراء : «إنّ الشرّ بين قومي وقومك آمن ، فليقتلني سواك. فقال : برّتك رحم. ثمّ قتله القضاعي».
(٢) الدولة العربيّة ١٠٥ ـ ١٠٦.
(٣) المصدر السابق : ٢٠٧.