بينهما (١).
وقد كان المغيرة بن شعبة والي الكوفة من قبل معاوية يتّبع نفس هذا الأسلوب ، فعندما ولي الكوفة جعل من همّه أن يُفسد ما بين الخوارج والشيعة ، وبذلك استطاع أن يشغل الكوفيين عن معارضة الاُمويِّين معارضة فعّالة (٢) وها هو يصرّ على أن يدفع بصفوة الشيعة في الكوفة والبصرة إلى حرب الخوارج ، ويُجهّز جيشاً منهم لهذه الغاية (٣).
وقد كانت عاقبة هذه السياسة أن عادت إلى الاشتعال من جديد تلك العداوات والأحقاد القديمة التي كانت بين القبائل ، وكان من نتائجها بعد ذلك ظهور الشعر السياسي الحزبي والقبلي. فقد شبّت نيران الهجاء بين شعراء الشيعة والخوارج والاُمويِّين ، واشتعلت نيران الهجاء والمفاخرات القبلية بين القبائل نفسها ، وعاضد الشعراء القبليون الأحزاب بدوافع قبلية ، فقد انضمّ الأخطل إلى الاُمويِّين على قيس عيلان أعداء قومه التغلبيين ، ثمّ انضمّ إلى الفرزدق على جرير ؛ لأنّ جريراً كان لسان القيسية على تغلب ، وكان الفرزدق تميمياً ، وجرير أخذته قيس عيلان.
وقد تقمصّت هذه العصبية القبلية شكلاً دينياً حينما أخذت القبائل تسعى إلى اختراع الأحاديث في فضلها تنسبها إلى النبي صلىاللهعليهوآله ؛ وذلك إنّ هذه القبائل لمّا كانت تتنازع الرياسة ، والفخر ، والشرف وجدت في الأحاديث باباً تدخل منه إلى المفاخرة كالذي وجدته في الشعر ، فكم من الأحاديث وضعت في فضل قريش ، والأنصار ، وأسلم ، وغفار ، والأشعريين ، والحميريين ، وجهينة ، ومزينة (٤). وسنرى أنّ معاوية قد استأجر بعض تجّار الدين لاختلاق الأحاديث في مديحه ومديح أسرته ، ولعلّ مساعيه هذه هي التي
__________________
(١) الأغاني ٢١ ـ طبعة الساسي.
(٢) بروكلمان : تاريخ الشعوب الاسلامية ١ / ١٤٦.
(٣) الطبري.
(٤) أحمد أمين : فجر الإسلام ، ٢١٣.