حملت الآخرين على اختلاق الأحاديث في تمجيد قبائلهم.
* * *
وهكذا بثّ معاوية روح البغضاء والنفرة بين القبائل العربيّة ، فشغلت هذه القبائل بأحقادها الصغيرة عن مقارعة خصمها الحقيقي ، الحكم الأموي ، وشغل زعماء هذه القبائل بالسعي عند الملوك الاُمويِّين للوقيعة بأعدائهم القبليين ، وفاز معاوية ـ وحلفاؤه من بعد ـ بكونه حكماً بين أعداءٍ هو الذي أشعل نيران العداء بينهم من حيث لا يشعرون ، ووحّدهم في طاعته من حيث لا يدرون ، وقد دفعهم هذا الوضع إلى أن يقفوا دائماً مع الحاكمين ضدّ الثائرين ؛ ليحافظوا على الامتيازات الممنوحة لهم ، ويخذّلون عنها بل ويتسابقون في استخدام أقصى ما يملكونه من نفوذ ودهاء في هذا السبيل ؛ للتأكيد على ولائهم التام للسلطة القائمة ، وقد لاحظ ولهاوزن :
«إنّ وضعهم ـ زعماء القبائل ـ جنح بهم إلى أن يعتصموا بالحِطية والحكم ، فلا يشرعون في القيام بثورة لا هدف لها بل يردّون الجماهير عنها عندما ينطلقون فيها ، وها هم أولاء باسم الإسلام والنظام يضعون نفوذهم تحت تصرّف الحكومة ؛ كيلا يُعرضوا وضعهم للأخطار» (١).
والشواهد التي تدلّ على صدق هذه الملاحظة عمّا آل إليه أمر المسلمين بسبب استفحال الروح القبلية كثيرة جدّاً ، وسيمر بعضها فيما يأتي من هذه الدراسة.
* * *
__________________
(١) الدولة العربية : ٥٢.