من البيّن أنّ هذا الموقف الذي اتّخذه المرجئة من الاُمويِّين يتعارض تعارضاً مطلقاً مع إدراك اُولئك الذين يؤيّدون مطالب العلويين. ويصوّر لنا هذان البيتان من الهجاء نظرة الشيعة إلى المرجئة :
إذا ما المُرجيّ سرّك أن تراه |
|
يموتُ بدائهِ من قبلِ موتهْ |
فجدّد عندهُ ذكرى عليٍّ |
|
وصلِّ على النبي وآلِ بيتهْ (١) |
وإلى جانب ما تقدّم أعتمد الاُمويّون أسلوباً آخر من أساليب التضليل الديني لدعم حكمهم وصرف الناس عن الثورة عليهم.
فقد واجه الاُمويّون خطراً ساحقاً عليهم من عقيدة القدرية القائلين بحرية الإرادة والاختيار ، وإنّ الإنسان هو الذي يختار نوع السلوك والعمل الذي يمارسه في حياته ، وإذا كان حرّاً فهو مسؤول عن أفعاله ؛ لأنّ كلّ حرية تستتبع حتماً المسؤولية.
هذه العقيدة كانت خطراً على الاُمويِّين الذي يفرّقون من رقابة الاُمّة عليهم وعلى تصرّفاتهم ؛ ولذلك فقد اضطهدوا هذه العقيدة ودعاتها وتمسّكوا بالعقيدة المضّادة لها (عقيدة الجبر) (٢). فهذه هي العقيدة التي تلائمهم في الميدان السياسي ؛ لأنّها توحي إلى الناس بأنّ وجود الاُمويِّين وتصرّفاتهم مهما كانت شاذّة وظالمة ليست سوى قدر مرسوم من الله لا يمكن تغييره ولا تبديله ، فلا جدوى من الثورة عليه. وها هو معاوية يتظاهر بالجبر والإرجاء كما قدّمنا ؛ لأجل تبرير أفعاله أمام الملأ بأنّها مقدورة لا سبيل إلى تبديلها ، مع كونها في الوقت نفسه غير قادحة فيه باعتباره حاكماً دينياً.
__________________
(١) لاحظ في هذا الموضوع أحمد أمين : فجر الإسلام : ٢٧٩ ـ ٢٨٢ و ٢٩١ ـ ٢٩٤ ، وضحى الإسلام ٣ : ٣١٦ ـ ٣٢٩ ، وإجناس جولد تسهر العقيدة والشريعة في الإسلام : ٧٥ ـ ٧٧ و ٢٩٥ هامش رقم ٢٠.
(٢) موريس غودفردا ، النظم الإسلامية : ٣٩ : «في الخلاف الذي قام حول الجبرية ساند الخلفاء الأُمويون فكرة انكار الإرادة في أفعال الإنسان».