به عادة تمنّي الحصول على الشهادة معهم لكي يفوز فوزاً عظيماً ، وهو أمرٌ جليل ولطيف في حدّ نفسه إلاّ أنّه قابل للمناقشة من أكثر من جهة :
الجهةُ الأولى : أنّ تمنّي العود إلى الماضي من تمنّي المستحيل طبيعيّاً ، وتمنّي المستحيل مستحيل ، أو قل : إنّه لا يتصوّره ولا يقتنع به إلاّ مَن خولِط في عقله ، وليس من تمنّي الأسوياء ما كان مستحيلاً.
الجهةُ الثانية : إنّ مجرّد وجود الفرد هناك في الماضي ـ لو تمّ له ـ لا يعني كونه يفوز بالشهادة أو يفوز فوزاً عظيماً ، بعد أن نأخذ بنظر الاعتبار هذه النفوس الضعيفة الأمّارة بالسوء المعتادة على الترف والضيق من مصاعب الحياة. ومن الواضح أنّ حركة الحسين عليهالسلام كلّها مصاعب وبلاء وضيق من الناحية الظاهريّة أو الدنيويّة ، ومن هنا لا يكون من المؤكّد أنّ الفرد إذا كان موجوداً في ذلك الزمان والمكان أن يكون ناصراً للحسين عليهالسلام ، بل لعلّه يكون في الجيش المعادي تحت إمرة عبيد الله بن زياد ؛ لأجل الحصول على المال أو الشهرة أو دفع الشرّ والتهديد ، تماماً كما مالَ أهل الكوفة إليه بعد إعطائهم الولاء للحسين عليهالسلام ومسلم بن عقيل عليهالسلام ، ومن أجل شيء من الطمع والخوف.
وإذا كان الفرد أحسن نفساً وأكثر ثقافة ، فلا أقلّ من أن ينهزم من المعسكر ، فلا يكون مع مُعادي الحسين ، كما لا يكون مع الحسين نفسه ، تماماً كما ورد عن أبي هريرة أنّه قال : الصلاة خلف عليّ أتم ، وطعام معاوية أدسم ، والوقوف على التل أسلم (١) ، وإذا لم يكن مع الحسين عليهالسلام فسوف يحصل : أوّلاً : إنّه لن ينال الشهادة ولن يفوز فوزاً عظيماً.
__________________
(١) هذا القول من أبي هريرة عبّر عن موقفه في حرب صفّين ، وقد ذكرهُ محمود أبو ريّة في كتاب شيخ المضيرة أبو هريرة ص ٥٦ عن شذرات الذهب في أخبار مَن ذَهب لابن عماد الحنبلي : ج ١ ، ص ٦٤.