ما ورد بنحو القاعدة العامّة : «مَن بكى على الحسين أو أبكى أو تباكى ، وجَبت له الجنّة» (١).
وتقريبُ الاستدلال بها : هو التمسّك بإطلاقها لكلّ قولٍ أو فعل صار سبباً للبكاء على الحسين عليهالسلام وأصحابه ، فإنّه يكون سَبباً لدخول الجنّة أو وجوبها للفرد سواء كان مطابقاً للواقع أو لم يكن.
وهذا المضمون وإن كان مطابقاً للقاعدة ؛ لأنّ مَن بكى أو أبكى أو تباكى بإخلاصٍ لله سبحانه وتعالى (٢) وللحسين عليهالسلام ، فإنّه يستحقّ الثواب الجزيل بلا إشكال ، إلاّ أنّ التمسّك بإطلاقها المفروض إنّما يتمّ بغضّ النظر عن المناقشات التالية ، وتلك المناقشات تَردّ عليها كرواية منقولة كما هو المشهور ، لا كمضمون مشهود على صحّته.
أوّلاً : ضُعف سَند هذه الرواية ، فلا تكون معتبرة.
ثانياً : إنّ متعلّق البكاء لم يُذكر في هذه العبارة ، ومعه يكون من الواضح
__________________
(١) أمالي الصدوق : ص ١٢٥ ، مجلس ٢٩ ، البحار : ج ٤٤ ، ص ٢٨٨ ، الدمعة الساكبة : م ١ ، ص ٣٠٠.
(٢) وهنا يشير سماحة المؤلِّف إلى أنّ الإخلاص في البكاء ، أو التباكي لله بغضّ النظر عمّا إذا كان على الحسين عليهالسلام أو غيره ، فهو سبب في الدخول إلى الجنّة ، ويؤيّد ذلك : ما ذكرهُ السيّد المقرّم في مقتله نقلاً عن كنز العمّال : ج ١ ، ص ١٤٧ في الحديث عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قرأ آخر الزُمر (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً) على جماعة من الأنصار ، فبكوا إلاّ شابّاً منهم قال : لم تقطر من عيني قطرة وإنّي تباكيت ، فقال الرسول صلىاللهعليهوآله : (مَن تباكى فلهُ الجنّة).
وفي نفس المصدر عن جرير عن الرسول صلىاللهعليهوآله قال : «إنّي قارئ عليكم (ألهاكم التكاثر) مَن بكى فلهُ الجنّة ، ومَن تباكى فلهُ الجنّة» كنز العمّال : ج ١ ، ص ١٤٨.
وحدث أبو ذر الغفاري رحمهالله عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : «مَن استطاعَ أن يبكي فليبكِ ، ومَن لم يستطع فليُشعر قلبه الحزن وليتباكِ ؛ فإنّ القلب القاسي بعيد عن الله» مقتل المقرّم نقلاً عن اللؤلؤ والمرجان للنوري ٤٧ ، ومجموعة شيخ ورام : ص ٢٧٢.
ويجب أن نشير هنا إلى أنّ المقصود ليس كلّ بكاء أو تباكي ، وإنّما يجب أن يكون البكاء خالصاً لله عزّ وجل منبعثاً من تأثير النفس والرهبة منه سبحانه وتعالى ، ويشير إلى ذلك محمّد عبدة في تفسير المنار : ج ٨ ، ص ٣٠١ حيث يقول : التباكي تَكلّف البكاء لا عن رياء.