هذا الجيش أو تفرّقهم أو التحاقهم بمعسكر الحسين عليهالسلام ، ولكنّها لا شكّ أثّرت على أقلّ تقدير في تحريك بعض عواطفهم إليه : كالشَفَقة دنيويّاً ، والتعرّف على مستواه دينيّاً ، وهذا أمر يقتضي فتور الهمّة في ممارسة حربه وضربه محالة.
النقطة الرابعة : قولهم للحسين عليهالسلام : قلوبُنا معك وسيوفنا عليك. وهذا معناه : أنّ السيوف وإن كانت عليه ظاهراً ، إلاّ أنّ القلوب معهُ واقعاً فمن غير المُحتمل أن توجد لهم همّة حقيقيّة لحربه.
النقطة الخامسة : ما وردَ في التاريخ عنه شخصيّاً : أنّ أفراد الجيش المعادي كانوا يتحامون عن قتله (١) ، ولا يريد كلّ منهم أن يكون هو البادئ بالضرب ضدّه ، ومن دلائل ذلك : أنّه وردَ عن أصحابه أنّهم التحموا في مبارزات مفردة مع الأعداء ، مع أنّه لم يرِد ضدّ الحسين عليهالسلام ذلك أصلاً ، بل كان يكتفي بالهجوم على الجيش ككلّ ، وهم يفرّون من بين يديه فرار المِعزى إذا شدّ فيها الذئب ، كما وردَ مثاله في التاريخ (٢).
النقطة السادسة : ما وردَ من بعض أفراد الجيش المعادي ، بل ربّما عددٍ منهم ، كانوا يُشفقون على الحسين وأصحابه ، حتّى أنّ عمر بن سعد ـ وهو قائد الجيش كلّه ـ شوهِدَ والدموع تنزل من عينيه أكثر من مرّة (٣). وممّا يَدعم ذلك : ما وردَ من أنّ الحسين عليهالسلام حين أخذَ ولدهُ الرضيع ليطلب لهُ الماء ، اختلفَ العسكر في شأنه فقال بعضهم : إن كان ذنبٌ للكبار فما ذنبُ الصغار ، وقال البعض : لا تُبقوا لأهل هذا البيت باقية (٤). إذاً ، فليسوا كلّهم على رأيٍ
__________________
(١) الخوارزمي : ج ٢ ، ص ٣٥.
(٢) البحار للمجلسي : ج ٤٥ ، ص ٥٠ ، اللهوف لابن طاووس : ص ٥١.
(٣) الكامل لابن الأثير : ج ٤ ، ص ٣٢ ، تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ٢٥٩.
(٤) مقتل الخوارزمي : ج ٢ ، ص ٣٨.