ثلاثمائة ألف دينار ذهبي ، فهل كان عبيد الله بن زياد يملك هذا المقدار من الدنانير؟
مضافاً إلى ما يحتاجهُ هو وتحتاجه قيادة الجيش المعادي الذاهب إلى كربلاء منها ، مع العلم أنّ النقد بالأساس في تلك العهود كان قليلاً والمسكوك منه يكاد يكون نادراً ، فمن أين حصلت هذه الألوف من الدنانير الذهبيّة؟
وهنا يخطر في البال : أنّ الناس اكتفوا بمجرّد الوعد وإن لم يقبضوا المال ، وكان هذا كافياً لحثّهم على الخروج إلى الحرب.
وجوابُ ذلك من وجوه أهمّها : إنّ الفرد المُحارب يحتاج إلى المال لخروجه ، ويحتاج إلى المال لعائلته الباقية في المدينة ، ويحتاج المال لسلاحه ، وحاله الاقتصادي الخاص به لا يساعد في الأعمّ الأغلب من التخلّي عن ذلك. إذاً ، فاكتفاؤهم بالوعد أمر مستبعد ، فإذا ضَممنا إلى ذلك عِلمهم بقلّة النقد أساساً ، وصعوبة توزيعه من قِبل عُبيد الله بن زياد ـ كما أشرنا ـ لم يبقَ لهم أيّ دافعٍ حقيقي للتصديق بهذا الوعد الزائف.
النقطة التاسعة : ولعلّها الأهمّ وإن جعلناها في المؤخّرة من هذه النقاط : هي أنّ الكوفة بلد أمير المؤمنين عليهالسلام ، والد الحسين عليهالسلام قبل سنوات قليلة من ذلك الحين ، وأغلبهم جدّاً قد شاهدَ ذلك الإمام وسمعَ خُطبه ومواعظه سلام الله عليه ، وشاهدَ وَلده الإمام الحسن عليهالسلام وسمعَ منه ، بل وشاهدَ الإمام الحسين عليهالسلام نفسه في مُقتبل عمره.
ولم يعرفوا منهم إلاّ الخير والصلاح ، بل ما هو أفضل كما هو معلوم ، فمن أين يأتي هذا الحقد المتزايد والتألّب المكثّف على الإمام الحسين عليهالسلام فجأة وبدون سابق إنذار كما يعبّرون ، لمجرّد أنّ عُبيد الله بن زياد أمرَ بالزيادة الماليّة القليلة؟