صحيح أنّ الكوفة أو أنّ سكّانها لم يكونوا مُجمعين على الولاء لأمير المؤمنين عليهالسلام ، بل كان فيها اتّجاهات مختلفة حتّى من الدهريّة والخوارج وغيرهم ، إلاّ أنّ الذي يُفيدنا في المقام أمور :
أوّلاً : إنّ الأغلب من سكّانها كان وما زال موالياً لأمير المؤمنين عليهالسلام.
ثانياً : إنّ الاتّجاهات الأخرى في الكوفة تُمثّل جاليّات قليلة جدّاً.
ثالثاً : إنّ هناك عدد من نفوس الأفراد تُشكّك ـ على الأقل ـ في جواز حرب الحسين أمام الله سبحانه ، وإن لم تجزم بحرمته وهذا يكفي.
وصحيحٌ أنّ الكوفة غَدرت بأبيه وأخيه ، كما قالوا للحسين عليهالسلام حين أرادوا إرجاع نظره عن السفر إليها ، إلاّ أنّ هذا هو الظاهر الذي فعلهُ الأشرار وهم القلّة منهم ، وهذا لا ينافي وجود مَن يواليه فعلاً أو يتورّع أمام الله سبحانه وتعالى عن حربه.
وصحيحٌ أنّ الحسين عليهالسلام لو وصلَ إلى الكوفة فعلاً ـ وهي تحت حُكم عبيد الله بن زياد ـ لم يستطع أن يجد أحداً يبايعه ، إلاّ أنّ هذا لا يُنتج معنى الإخلاص لابن زياد من قِبل الجميع ، بل ينتج أنّ الناس كانوا يومئذٍ في خوف ورعب من إظهار الولاء للحسين عليهالسلام ، وهذا لا يعني بكلّ وضوح استعداهم لحمل السيف ضدّه ، أو قل : لحمله بهذه السعة وبهذه المرارة والقسوة.
النقطة العاشرة : جهود رسول الحسين عليهالسلام إلى الكوفة ، مسلم بن عقيل رضوان الله عليه ، فإنّه أخذَ البيعة على نطاق واسع وألّب العواطف باتّجاه الحسين عليهالسلام ، وأبلى في ذلك بلاءً حسناً وسمعَ الناس مواعظه وخطبه ، وقرأوا الكتاب الذي كان معه من الحسين عليهالسلام (١) ، حتّى
__________________
(١) أسرار الشهادة : ص ٢٠٠ ، تاريخ الفتوح لابن أعثم : ج ٥ ، ص ٥٦.
(٢) مقتل الخوارزمي : ج ١ ، ص ١٩٥ ، تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ١٩٧.