أثمرَت جهوده بإرسال الكتب إليه عليهالسلام للوفود إليهم والورود عليهم ، وقالوا في كتابهم الأخير : فأقبِل يا بن رسول الله ، إنّما تَقبِل على جُندٍ لك مجنّدة والسلام) (١).
وبحسب ما هو المعروف من نظام النفوس أو القلوب ـ لو صحّ التعبير ـ أنّها لا يمكن أن تنقلب من هذه الصداقة الحميمة إلى العداوة القاسية بين عشيّة وضُحاها ، بدون أن ترى الحسين عليهالسلام ، أو أن تسمع منه شرّاً أو ترى منه ضرراً وحاشاه.
وقد يخطر في الذهن : إذاً فكيف قُتل الحسين عليهالسلام؟ إذ لو تمّ ما قلناه ، إذاً لم يخرج إلى قتاله أحد إلاّ شرذِمة قليلة قابلة للسيطرة عليهم أو صدّهم بكلّ سهولة ، ولم يحتج الأمر إلى تلك المظالم والآثام.
وجواب ذلك : أنّ الجيش المعادي للحسين عليهالسلام ، في حدود ما نحتاج إليه من فكرة الآن ، يمكن تقسيمه إلى قسمين :
القسمُ الأوّل : وهو الأغلب أو الأغلب جدّاً ، وهم الواردون مع الأعداء خوفاً أو طمَعاً أو إحراجاً ، أو نحو ذلك من المصاعب الدنيويّة ، مع كونهم يتورّعون بقليلٍ أو بكثير عن ضرب معسكر الحسين عليهالسلام ، إلاّ تحت ضغطٍ مماثل من قِبل قادتهم ، وربّما كان بعضهم إذا تلقّى الأمر بالهجوم مع جماعة يجول بفرسه هنا وهناك ، باعتبار أنّه متصدي للهجوم ولكنّه لا يَضرب ، أو يَضرب بالأقلّ المجزي ، أو لا يَضرب إلاّ تحت الإحراج الشديد (١).
ولا ينبغي أن يخطر في البال : أنّ هؤلاء وأمثالهم ناجون من العقوبة الأخرويّة ، وأنّهم أخيار أو إبرار ، كلاّ ثمّ كلاّ ، يكفي أنّهم يقفون موقفاً مُعادياً للحسين عليهالسلام ويشاركون في ترويع أصحابه وأهل بيته ، وينصرون
__________________
(١) الإيقاد للعظيمي : ص ١٢٩.
(٢) مقتل الخوارزمي : ج ١ ، ص ٢٢٧ ، البحار للمجلسي : ج ٤٤ ، ص ٣١٥.