أمّا الاحتمالان الباطلان فهما :
الأوّل : أن يكون مسلم بن عقيل عليهالسلام مستعدّاً لشرب الماء المختلط بالدم بالرغم من نجاسته ، وهذا باطلٌ ؛ لأنّه حرام أوّلاً ، وينصّ التاريخ على تركه وإراقة الماء ثلاث مرّات ثانياً.
الثاني : تبذير الماء بحيث كان كلّما امتلأ دَماً أراقهُ ، وخاصّة في المرّة الثالثة حيث كان من المعلوم حصول نفس النتيجة ، وهذا الاحتمال باطل أيضاً ؛ لأنّه وإن كان تبذيراً إلاّ أنّه ليس بمحرّم على مسلم بن عقيل في ذلك المورد ، لوجود المصلحة فيه ـ على ما سيأتي ـ ولكن لو صحّ أحد هذين الاحتمالين لتمّ الاستشكال ، ولم يبقَ عندنا من جواب إلاّ الطعن بسند هذه القصّة نفسها ، واحتمال كونها مكذوبة أساساً أو تأكيد ذلك ؛ لأنّنا نَجلّ مسلم بن عقيل عن مثل هذا الإسفاف.
ولكنّ الاحتمال الثالث والأخير يصلح جواباً على الإشكال أساساً : وهو أنّنا ينبغي أن نلتفت إلى أنّ طلبهُ للماء كان في أوّل دخوله على عبيد الله بن زياد ، فأراد أن يبرهن له عمليّاً وحسيّاً على حاله السيّئة دنيويّاً والبلاء الحاصل عليه قبل الق٨ض عليه وشدّ وثاقه ، فهو مُتعب جدّاً وعطشان جدّاً ومجروح جَرحاً بليغاً ، مضافاً إلى كونه أسيراً ومكتوفاً ، ولئن كان في شرب الماء نوع من الراحة لهُ ، فهو قد أصبحَ بحالٍ بحيث لا يستطيع أن يشرب الماء ليرتاح حتّى بهذا المقدار ، كلّ هذا فَهَمهُ عُبيد الله بن زياد من تنفيذ طلبه ومحاولته لشرب الماء ، بل أكثر من ذلك وهو : أنّ الجرح بليغ إلى درجة لا يؤمَل معه انقطاع الدم حتّى في الصبّة الثالثة للماء.
وهذا الذي أشرنا إليه : من أنّ المصلحة تقتضي وجود هذه الصّبة فلا تكون تبذيراً ، فقد كان طلبهُ بيان عملي لشرح حاله لا أكثر ، وبهذا يندفع الإشكال السابق جملةً وتفصيلاً.