المستوى الأوّل : إنّ قوله : (ثقتي من أهل بيتي) ، لا دلالة فيه على أنّ ثقاته عليهالسلام منحصرون فيه ، وإنّ غيره ليس من ثقاته ، أو أدنى منه في وثاقته ؛ فإنّ هذه الاستفادة وأمثالها تسمّى في علم الأصول من مفهوم الوصف ، وهو باطل على ما هو المُبرهن عليه هناك ؛ فإنّك لو وصفتَ شخصاً كريماً لم يكن معناه أنّ الآخرين ليسوا كُرماء ، أو لا يوجد كريم غيره ، وخاصّة إذا فَصَلنا نقطة بين الصفتين : أعني (ثقتي) من ناحية ، و (من أهل بيتي) من ناحية أخرى ؛ فإنّ هذا المعنى يكون واضح جدّاً ، ولا دليل على ارتباطهما من هذه الناحية. وعلى أيّ حال ، فلو كان ظاهر العبارة ذلك ، لابدّ من حَرفها عن ظاهرها وتأويلها ؛ لأنّ الظاهر إنّما يكون حجّة مع عدم قيام الدليل على بطلانه ، ومن العلوم بالضرورة أنّ مثل هذا الظاهر ـ بعد التنزّل جَدلاً عمّا قلناه ـ يكون غير مُحتمل الصحّة.
هذا ، وكلّ هذه المستويات من الكلام يمكن أن نقولها في الصفة الأخرى ، وهي قوله : (والمفضّل عندي) ، فراجع وتأمّل ، مضافاً إلى أنّها رواية غير معتبرة السند.
وأمّا قياسه ـ أعني مسلم بن عقيل عليهالسلام بالإمام المعصوم عليهالسلام ـ فهو غير مُحتمل أصلاً في ضمير المؤمنين ووجدانهم ، وإنّما مراد الحسين عليهالسلام لو أراد تفضيله على الآخرين ، فإنّما يريد غير المعصومين منهم بطبيعة الحال.
المستوى الثاني : أن ننظر إلى أنّ الحسين عليهالسلام لماذا اختار مسلماً بالذات للسفارة عنه في الكوفة ، مع أنّ أهل بيته عديدون ، فإذا أجبنا ـ كما سنسمع بعد قليل ـ أنّه هو الوحيد الصالح منهم للسفارة ، أمكننا عندئذٍ أن نفهم من العبارة أنّه (ثقتي من أهل بيتي ، والمفضّل عندي) : ممّن هو صالح لهذه السفارة والمهمّة ، وعندئذٍ لا بأس أن يكون هو الوحيد الموصوف بها.
وعلينا الآن استعراض بعض الموانع المحتملة التي كانت تحول دون إرسال غيره في هذه المهمّة :