احتلالُ الكوفة
قد يخطر على البال السؤال : أنّ مسلم بن عقيل لماذا لم يحتل الكوفة احتلالاً عسكريّاً ويسيطر على الحكم فيها ، وخاصّة بعد أن تمّ لديه مبايعة اثني عشر ألفاً من أنصاره (١) ، وقد كانوا وَعَدوه أو وعَدوا الحسين عليهالسلام ـ في بعض كتبهم إليه ـ أن يطردوا النعمان بن بشير ، حاكم الكوفة ممثّلاً عن الحاكم الأموي ، وقالوا : ثمّ إنّه ليس علينا إمام غيرك ، فأقبِل لعلّ الله يجمعنا بك على الحقّ ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا جماعة ولا عيد ، ولو بَلَغنا إقبالك إلينا ، أخرجناه حتّى نُلحقه بالشام إن شاء الله تعالى (٢).
وواضحٌ : أنّ إقبال مُمثّل الحسين ورسوله عليهم ، كإقبال الحسين نفسه ، فلماذا لم يفعلوا ذلك ، ويتسبّبوا في أخذ زمام السلطة من قِبل مسلم بن عقيل عليهالسلام؟
والجوابُ على ذلك ـ بغضّ النظر عمّا قلناه في مقدّمات هذا البحث من أنّ عقولنا قد تقصر عن نيل الواقعيات أوّلاً ، وأنّ هؤلاء العظماء عند الله كأمثال مسلم بن عقيل ممّن لهم التأييد والتسديد من الله سبحانه ثانياً ، ومعهُ ينسدّ السؤال عن ذلك وغيره ـ يمكن بأمور :
الأمر الأوّل : إنّ مسلم بن عقيل (سلام الله عليه) لم يكن مُخوّلاً من قِبل الحسين عليهالسلام بالحرب ، ولا باستلام الحكم في الكوفة ؛ وإنّما كان مخوّلاً
__________________
(١) هذا ما ذكرهُ المسعودي في مُروج الذهب : ج ٣ ، ص ٦٦ ، والكليني في كفاية الطالب : ص ٢٨٢.
أمّا في مقتل الخوارزمي : ج ١ ، ص ٢٠ ذَكر أنّهم عشرون ألفاً ، أمّا في تاريخ الطبري ، والإرشاد للمفيد ، ونهاية الإرَب للنويري ، والإيقاد للعظيمي أنّهم ثمانية عشر ألفاً ، وقد ذَكر ابن نما الحلّي في مُثير الأحزان أنّهم أربعون ألفاً.
(٢) الخوارزمي : ج ١ ، ص ١٩٤ ، الطبري : ج ٦٥ ، ص ١٩٧ ، الكامل لابن الأثير : ج ٣ ، ص ٢٦٦ ، مناقب ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٢٤١.