الإلهيّة ذلك. وهناك مستويات أخرى للجواب لا حاجة إلى الدخول في تفاصيلها.
ولعلّ السؤال الأخير الذي يمكن عَرضهُ في هذا الصدد : ما قالهُ بعض الأذكياء لبعض العلماء عمّا رويَ في التاريخ ، من أنّ مسلم بن عقيل تفرّق عنه أصحابه كلّهم في يومٍ واحد أو عشيّة واحدة ، حتّى أصبحَ يتلدّد في أزقّة الكوفة في ظلام الليل لا يجد مَن يؤويه (١) ، مع العلم أنّ من الكوفيين مَن هم على درجة عالية من الإخلاص للحقّ المتمثّل في مسلم بن عقيل والحسين عليهماالسلام أمثال : حبيب بن مظاهر ، ومسلم بن عوسجة ، وآخرين ، بدليل أنّ هذين المذكورَين قد استشهدا مع الحسين في كربلاء ، إذاً فإخلاصهم مُحرز فلماذا تفرّقوا عن مسلم في تلك الليلة وتركوه وحيداً حائراً؟
وقد أجاب ذلك العالِم : بأنّهم أعدّوا أنفسهم للشهادة بين يدي الحسين عليهالسلام ، أقول : وهذا وحدهُ لا يكفي للإقناع ؛ لأنّ حادثة الحسين عليهالسلام كانت في ضمير المستقبل بالنسبة إليهم ، ولم يكونوا يعلمون من حصولها شيئاً ، فكيف نتعقّل كونهم استهدفوها بصراحة؟
ولكنّ تفصيل الجواب أن يقال : إنّ المخلِصين الكاملين كانوا قلّة لا يستطيعون وحدهم الدفاع عن مسلم بن عقيل ، ولا حفظ حياته وحياتهم.
فلمّا رأوا فشل الحركة وتفرّق الجيش عنه ، لم يشعروا بوجوب المحافظة على حياته شرعاً ، لليقين بكونه مقتولاً لا محالة ، حتّى ولو كانوا هم إلى جنبه بل سيقتلون معه أيضاً ، إذاً فمسؤوليّة الدفاع عنه والحفاظ عليه ساقطة عنهم يقيناً ، إذاً فخيرٌ لهم أن يحافظوا على حياتهم ، وهم كوفيون يَعرفون المدينة
__________________
(١) اللهوف لابن طاووس : ص ٢٣ ، تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ٢٠٩ ، مقاتل الطالبيين : ص ١٠٢.